حكم شراء الأصوات الانتخابية

أكد علماء الشرع أن شراء الأصوات الانتخابية حرام شرعا وأصحابها آثمون، لأنها من باب السحت وأكل أموال الناس بالباطل، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش أي الذي يمشي بينهما.

حول هذا الموضوع كان لنا هذا الاستطلاع.

أشد جرماً

في البداية، يحذر د.خالد المذكور من أن يقوم المرشح بشراء صوت الناخب بقصد الفوز في الانتخابات، وقال: إن حكم الشرع في هذا العمل قد جمع بين ثلاثة أوصاف هي: الرشوة والخيانة وشهادة الزور، فهي رشوة من حيث إن المرشح دفع مالا أو غيره للناخب ليقدمه على غيره ممن قد يكون أكفأ منه وأصلح، وهي خيانة من الطرفين وخاصة الناخب إذا خان الأمانة والشهادة وأولى بتزكيته في غير مكانها، أي يدلي بشهادة زور، وجميع هذه الأمور تعد من الكبائر التي نهى الله عنها، وإن مجرد قبول أو إقدام المرشح على هذا يعتبر قدحا في نزاهته.

وأكد د.المذكور ان المرشح الذي يقبل هذا العمل يقبل بعد ذلك بأن يرتشي ممن هو فوقه في المنصب والمسؤولية، ويكون عنده استعداد لبيع ضميره مثلما كان لديه الاستعداد لشراء ضمائر غيره، لافتا الى ان حرمة الرشوة وردت بنصوص شرعية ثابتة، وأن الإبلاغ عن هذه الجريمة مطلب شرعي ووطني شريطة ان يكون من يبلغ عن المخالفة متأكدا وموثقا للبلاغ، حتى لا يكون فريسة لإغراء المكافأة.

وأكد: إن كانت الرشوة في الأمور العادية محرمة ومنهيا عنها فإنها في الانتخابات تكون أشد جرما وأعظم إثما لأنها تؤدي إلى وصول غير الأكفاء إلى البرلمان وبغير حق، ومن ثم لن يكون أمثال هؤلاء أمناء على التشريعات التي يصدرونها لإدارة أمورنا.

أكل السحت

من جهته، أكد الشيخ يحيى العقيلي أن الرشوة محرمة بأي صورة كانت وبأي اسم سميت، هدية أو مكافأة أو عطية، فالأسماء في شريعة الإسلام لا تغير من الحقائق شيئا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني.. والرشوة هي بذل المال للتوصل به الى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه أو إعفائه مما هو حق عليه، وهي مغضبة للرب مجلبة للعذاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الراشي والمرتشي والرائش.

فالراشي هو الدافع للرشوة والمرتشي هو الآخذ، والرائش هو الوسيط بينهما، والرشوة مرض خطير، فما وقع فيها امرؤ إلا ومحقت منه البركة في صحته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنس بها احد الا وحجبت دعوته وذهبت مروءته وفسدت اخلاقه ونُزع حياؤه وساءت خاتمته، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى يقول: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به».

وأشار العقيلي إلى صور الرشوة ومنها ما يأخذه الموظف من أهل المصالح ليسهل لهم حاجاتهم التي يجب عليه قضاؤها دون دفع هذا المال، فمن استغل وظيفته ليساوم الناس على إنهاء مصالحهم التي لا تنتهي إلا من قبل وظيفته فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال: في مثل هذه الأيام التي يسعى خلالها المرشحون للفوز بالانتخابات يقوم البعض وللأسف باستخدام الرشوة سبيلا لكسب أصوات الناخبين، وهذا سلوك خبيث وإثم عظيم، وجريمة وطنية ومفسدة أخلاقية ينبغي أن تواجه بكل حسم وحزم لإنهاء بلاء ووباء وخطر على مستقبل البلاد وأمنها، فإن من يشتري الأصوات يسهل عليه أن يبيع وطنه، كما أنه سيسعى لتعويض ما صرفه من مال بكل السبل، فكيف سنأمن على مجلس فيه أمثال هؤلاء.

من الظلم

وأضاف د.بسام الشطي بقوله إن رشوة الناخب وشراء صوته منكر خطير وشر كبير يدمر الذمم والمجتمعات، ويجلب الفساد للبلاد وسخط رب العباد، وهو من الرشوة التي لعن صاحبها، واللعن هو الطرد من رحمة الله عزّ وجلّ، والرشوة من الظلم الذي لا يرضاه الله تعالى، وإذا لم يؤخذ على يد الظالم يوشك أن تهلك البلاد بهذا الظلم والعياذ بالله، ومن قام بهذا الفعل سواء الراشي او المرتشي او الوسيط يدخل في الحديث «لعن الله الراشي والمرتشي».

وبين د.الشطي أن أنواع الرشوة مختلفة في صورها لكن المضمون واحد، ومن هذه الصور: تعيين المواطنين من أجل كسب ود الناخب للتصويت، وهذا يرجع لنية المرشح أن كانت مساعدته لوجه الله فهذا يؤجر عليه، وإذا كان الناخب سيؤدي المقابل فقط وهو التصويت له فهذا عمل شبيه بالرشوة، وهو محرم قطعا. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات».

مال خبيث

من جهته، قال د. جلوي الجميعة: بلا شك أن ما يأخذه الناخب من المرشح هو رشوة يتوصل بها المرشح إلى شراء صوت الناخب، سواء كان مالا أو هدية أو منفعة مشروطة، فالمرشح الذي يبذل ماله لمن يرشحه غير مؤهل وغير أمين ولا يجوز اختياره، مشيرا الى أن التصويت في الانتخابات شهادة وتزكية وأمانة، فبسبب بيع الأمانة والشهادة بالمال نتج فساد عظيم من اكل أموال الناس والغش ووضع غير الأمين في مكان الأمين، ففيه اجتماع الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل.

وفي الحديث: لعن الله الراشي والمرتشي، الحكم الشرعي الذي عليه علماء الأمة أن أخذ المال على الانتخابات رشوة، ولا يجوز بيع الصوت الانتخابي، والثمن المأخوذ على هذا حرام وسحت، وعلى الآخذ للمال من الناخبين أن يتوب الى الله توبة نصوحا وان يتخلص من هذا المال الخبيث.

أمانة عظيمة

وبدوره، طالب د. محمد ضاوي العصيمي المرشحين بأن يضعوا نصب أعينهم وهم قد نووا خوض غمار الانتخابات أن يكون لهم الدور البالغ في نفع المسلمين المتمثل في الذب عن الشريعة، وكذلك إبراز الدور الشرعي من خلال عمل المرشح، وإلا تكون الدنيا هي أكبر الهم ولا مبلغ العلم، مشيرا إلى أن من اتقى الله جل وعلا واحتسب الأجر في جعل وقته في سبيل نصرة الدين فإن الله عز وجل سيجعل له التمكين ولكلامه القبول والبركة في العمر، وهذا الأثر يجده الإنسان في نفسه وفي أهله وفي مجتمعه، مشيرا إلى أنه كلما كثر الصالحون في المجتمع أثر ذلك فيمن لهم السلطة والولاية خاصة من إخواننا المرشحين الذين يملكون ما لا يملكه غيرهم، فإنه بإذنه تعالى سيجد المجتمع أثر هؤلاء فيهم من خلال ما يطرحون ويتكلمون.

فنسأل الله جل وعلا أن يكون لهم الدور البالغ في حماية المجتمع، وأن يكونوا سورا منيعا في ألا يؤتى المجتمع من قبلهم عبر التفريط في هذه الأمانة العظيمة.

وذكر العصيمي أن من أعظم ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم هو الفرقة والاختلاف بسبب تحيز الإنسان إلى فئته وإلى قبيلته وإلى عائلته، ولاشك أن هذا يؤدي إلى تكتل الناس ليس على الدين الذي أمر الله جل وعلا به في قوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وتأسف العصيمي من أن زمن الانتخابات غالبا ما يكون سوقا رائجة للمنكرات من الرشوة وشراء الأصوات والغيبة وتتبع عورات الناس والقسم وهو الطلب من الإنسان أن يحلف على أن يأخذ مقابل الصوت مالا، فقد جمع بين الرشوة وتعريض لفظ الجلالة، وهذا الإنسان لا شك أنه لم يقدر الله حق قدره، مؤكدا ان المرشح الذي يعطي ماله مقابل التصويت له غير أمين وغير مستحق، فصوت الناخب شهادة وتزكية وأمانة، فإذا تم بيع الأمانة والشهادة بالمال كانت حراما وسحتا.

محاسبة المرتشين

من جهته، قال الشيخ د.صلاح المهيني: كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية كثر الكلام عن الرشوة وشراء أصوات الناخبين، ولعل السؤال المهم ما موقف الشرع من الرشوة؟ ولماذا حرمها؟ وما صور الرشوة؟ أما الرشوة فهي ما يدفع مقابل إبطال حق أو إحقاق باطل.

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. فالرشوة حرام في شرع الله، دل عليها الحديث السابق وأدلة أخرى، كما أنها سبب رئيس لانهيار الدول والمؤسسات.

فالراشي إنما يدفع المال ليحصل على مصلحة خاصة غير مبالٍ بمصلحة الناس عامة، كما أن المرتشي يقبل الرشوة مقدما مصلحته الخاصة على مصلحة الناس، فالراشي يريد الوصول إلى الكرسي الأخضر حتى يعظم جاهه ويكثر ماله حتى لو لم يكن مؤهلا لهذا المنصب، وحتى يعظم جاهه ويكثر ماله لابد من المحاباة والسير على هوى أصحاب النفوذ غير مبالٍ بمصلحة الناس، والمرتشي يقبل الدنانير المعدودة مساهما في وصول الراشي إلى المنصب، والذي قد يصوت ويضر المرتشي في تصويته. لذلك حرّم الإسلام الرشوة لما فيها من ضرب مصالح العامة لأجل المصالح الخاصة.

ولفت إلى أن الرشوة لا يشترط أن تكون مالا، وإن كان المال أشهر صورها إلا أنها تأتي على صورة منافع كالحصول على الوظائف أو الاشتراك في لجان معينة أو بعثات خارجية…إلخ.

لذلك نشدد على حكومتنا الموقرة بمراقبة هذه الظاهرة ومنعها بكل الوسائل ومحاسبة المرتشين وإحالتهم إلى جهات الاختصاص، كما نذكّر كل من تسول نفسه في قبول الرشوة بتقوى الله عز وجل في لقمة عيشه وفي بلده، وألا يكون معول هدم من حيث لا يعلم.

Scroll to Top