يعني: إن الله لا يخفى عليه شيء هو في الأرض، ولا شيء هو في السماء فكيف يخفى على الله يا محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو علام جميع الأشياء، ما يشابوهون به هؤلاء الذين يجادلونك في آيات الله من نصارى نجران بقولهم في عيسى عليه السلام إذ جعلوه ربا وإلها.
ثم يقول تعالى (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم) يعني إن الله – جل وعلا – يصوركم في الأرحام (يصوركم) يعني يعطيكم هيئتكم وشبهكم والأرحام جمع رحم وهو الوعاء الذي يكون فيه الجنين وهو مشتق من الرحمة (كيف يشاء) مثلما يحب سبحانه فيجعل هذا ذكرا، وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أبيض، ومراده – سبحانه – أن يعرف عباده أن جميع من استملت عليه أرحام النساء هو من تصوير وخلقه – سبحانه – وأن عيسى بن مريم عليه السلام من ضمن ما صوره الله في رحم أمه وملقه فيها كيف شاء وأحب، وأنه لو كان إلها لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما في الأرحام وهو الله لا تكون الارحام عليه مشتملة وإنما تشتمل على المخلوقين.
قوله (لا إله إلا هو العزيز الحكيم) هذا القول تنزيه من الله تعالى نفسه أن يكون له في ربوبيته ند أو مثل، أو أن تجوز الالوهية لغيره، وفي هذا القول كذلك تكذيب من الله تعالى للذين قالوا في عيسى ما قالوا من وفد نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والجميع من ادعى مع الله معبودا أو أقر بربوبية غير الله سبحانه، ثم أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته وعيدا منه لمن عبد غيره أو اشرك في عبادته أحدا سواه فقال: (العزيز) أي الذي لا ينصر احد من أراد الله الانتقام منه، ولا ينجيه من الله وال ولا ملجأ وذلك لعزته سبحانه التي يذل لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود، ثم اعلمهم بأنه (الحكيم) في تدبيره وإعذاره إلى خلقه ومتابعة حججه عليهم ليهلك من هلك منهم عن بينة ويحيا من حي عن بينة والحكيم في اللغة العربية هو من يضع الشيء في موضعة اللائق به، والله سبحانه عزيز في نعمته، حكيم في أمره.

