يقول جل ثناؤه: يا محمد إن ربك ورب عيسى ورب كل شيء هو الرب الذي أنزل عليك الكتاب، يعني بالكتاب: القرآن، بالحق يعني بالصدق (لما بين يديه) لما قبله من كتاب أو رسول يعني أن القرآن جاء بالصدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل وفيما خالفك فيه محاجوك من نصارى أهل نجران، وسائر أهل الشرك وأن القرآن مصدق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده، لأن منزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فيه اختلاف.
قوله (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس) يعني وأنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام، ومعنى التوراة الضياء والنور مشتقة من ورى الزند وورى إذا خرجت ناره، وقيل: التوراة مأخوذة من التورية، ومعناها التعريض بالشيء والكتمان لغيره، فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح وتفصيل لكن القول الأول أرجح ويسنده قوله تعالى (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) ومعنى الإنجيل مأخوذ من النجل وهو الأصل فالأنجل أصل لعلوم وحكم، ويستخرج منه هذه العلوم والحكم مأخوذ من قولهم نجلت الشيء إذا استخرجته فالإنجيل مستخرج به علوم وحكم، ومنه سمي الولد والنسل نجلا لخروجه.
قوله (من قبل) يعني من قبل الكتاب يعني القرآن الذي نزله عليك يا محمد، وقوله (هدى للناس) يعني بيانا للناس من الله فيما اختلفوا فيه من توحيد الله وتصديق رسله، ومفيدا يا محمد أنك نبي ورسولي وفيه غير ذلك من شرائح دين الله.
قوله (وأنزل الفرقان) أي أنزل الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب، وأهل الملل في أمر عيسى عليه السلام وغيره، والفرقان مأخوذ من قول العرب “فرق الله بين الحق والباطل يفصل بينهما بنصره – سبحانه – بالحق على الباطل: إما بالحجة البالغة وإما بالقهر والغلبة بالقوة، وقد فصل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذين حاجوه في أمر عيسى وفي غير ذلك من أموره بالحجة البالغة القاطعة عذرهم وعذر أمثالهم من أهل الكفر بالله.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد، والله عزيز ذو انتقام) يعني إن الذين جحدوا أدلة الله على توحيده وألوهيته وجحدوا ان عيسى عبد الله، واتخذوا عيسى إلها وربا أو ادعوا أن عيسى ولد الله، هؤلاء لهم عذاب من الله شديد يوم القيامة، وقوله (والله عزيز ذو انتقام) يعني أنه سبحانه قوي في سلطانه لا يمنعه مانع فمن أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينهم حائل وإن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها.

