قوله (هو الذي أنزل عليك الكتاب) يعني ان الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي أنزل عليك القرآن.
وقوله (منه آيات محكمات) فإنه يعني من القرآن آيات وقوله (محكمات) فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل من حلال وحرام ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل وعظة وعبر وغير ذلك.
قوله (هن أم الكتاب) يعني بذلك أن هذه الآيات المحكمات أصل القرآن الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما من الفرائض في عاجلهم وآجلهم وإنما سماهن أم الكتاب لأن هذه الآيات هن معظم القرآن.
قوله (وأخر) جمع أخرى هناك آيات أخر (متشابهات) يعني: متشابهات في التلاوة مختلفات في المعنى، كما قال تعالى (وأتوا به متشابها) يعني في المنظر مختلفا في المطعم وكما قال تعالى مخبرا عن بني إسرائيل (إن البقر تشابه علينا) يعنون بذلك تشابه علنيا في الصفة وإن اختلفت أنواعه.
قوله (فأما الذين في قلوبهم زيغ) يعني: فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وانحراف عنه من قول العرب زاغ فلان عن الحق، يعني مال عن الحق، وأزاغه الله إذا أماله ومنه قوله (ربنا لا تزغ قلوبنا) لا تملها عن الحق (بعد إذ هديتنا).
قوله (فيتبعون ما تشابه منه) ما تشابهت الفاظه وتصرفت معانيه بوجوه التأويلات، وبين الله سبب اتباعهم ما تشابه من القرآن بقوله تعالى (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) يعني ليحققوا بادعائهم الأباطيل من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزيغ والانحراف عن الحق، منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ثم قال “إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فأحذروهم” وقيل إن هذه الآية نزلت في الراجح في اليهود الذين أرادوا معرف قدر مدة أجل الرسول وأجل أمته وأرادوا علم ذلك من قبل الحروف المقطعة في القرآن “ألم، المص، المر” وغيرها، قوله (وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) يعني سبحانه وما يعلم وقت قيام الساعة وانقضاء مدة أجل محمد وأمته وما هو كائن إلا الله دون سواه من البشر (والراسخون في العلم) هم العلماء الذين اتقنوا محفظوه حفظا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شك ولا لبس وأصل ذلك من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته وولوجه فيه ومن رسخ الإيمان في قلب فلان هؤلاء يقولون صدقنا بالقرآن بمحكمه ومتشابهة لأن الكل من عند ربنا، قوله (وما يذكر إلا أولوا الألباب) يعني وما يتذكر ويتعظ عن أن يقول في متشابه آيات كتاب الله ما لا علم له به إلا أولوا العقول.

