قوله (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يعني لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير وإليه سبحانه تدبير جميع ما في السموات والأرض، وبيده جل وعلا التصرف فيه، لا يخفى عليه منه شيء.
(الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) يعني وإن تظهروا فيما عندكم من سيء أعمالكم أو تخفوه ذلك فتضمروه في أنفسكم، قوله (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) يعني يحتسب به عليه من أعماله فيجازى من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله وغافر منكم لمن شاء من المسيئين وكثير من المفسرين قالوا: إن قوله سبحانه (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) يعني الشهود في كتمانهم ويلحق بهم كل من كان من أمثالهم ممن أضمر معصية أو ابداها وقال بعضهم: بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده، أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه، وقالوا: ثم نسخ الله ذلك بقوله (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) واستدلوا بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: “لما نزلت (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اشتد ذلك على القوم فقالوا: يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما تحدث به أنفسنا هلكنا؟ فأنزل الله عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)”.
والراجح أن هذه الآية محكمة وليس منسوخة لأن قول الله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فيها المحاسبة والمحاسبة ليست بموجبة عقوبة ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه وقد اخبر الله عز وجل عن المجرمين: أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون (يا وليتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها) فيخبرهم جل وعلا بما اخفوا في أنفسهم، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم وهو قوله (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) بمعنى يخبركم وأما أهل الشك فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب.
قوله (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) يعني إن الله بعد اخباره لعبده المؤمن ومحاسبته إياه بما أبداه من نفسه وبما اخفاه من ذلك ثم يغفر له كل ذل بعد تعريفه تفضل الله تكرمه عليه، فيستره عليه وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين فقال يغفر لمن يشاء، وأما قوله (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) هذا وعيد من الله لمن أخفت نفوسهم الشك في الله والريبة في وحدانيته أو في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله فهو الهالك الخلد في النار.
قوله (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني والله عز وجل على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهم بالخطيئة وعلى عقاب هذا الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل ونبوة انبيائه ومجازاة كل واحد منهما على ما كان منه قادر سبحانه وتعالى.


