يقول الله تعالى في سورة البقرة في آية الدين (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)

يعني “ولا تملوا أيها الذين تداينون الناس إلى أجل معين وقت معين أن تكتبوا الدين قليلا كان أو كثيرا إلى الوقت المحدد لاستيفاء الدين لأن الكتابة أحصى للأجل ووقت الدين وللمال”.

قوله سبحانه (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) يعني الإشارة إلى كتابة الدين إلى اجله أقسط عند الله يعني أعدل عند الله، يقال أقسط الحاكم أو القاضي إذا عدل في حكمه وأصاب الحق، فإذا جار ولم يعدل قيل قسط قسوطا ومنه قول الله عز وجل (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) يعني الجائرون.

قوله سبحانه (وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ) يعني واصوب للشهادة، يقال: أقمته من عوجه إذا سويته فاستوى وإنما كانت كتابه الدين أعدل عند الله، واصوب لشهادة الشهود على ما في الكتابة لأن الكتابة تحفظ الألفاظ التي أقر بها البائع والمشتري أو الدائن والمدين، فلا يقع بين الشهود اختلاف في ألفاظهم بشهادتهم لاجتماع شهادتهم على ما حواه الكتاب، والكتابة اعدل عند الله لأنه قد أمر بها واتباع أمر الله لا شك أنه عند الله أقسط وأعدل من تركه والاختلاف عليه، قوله تعالى (وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) ادنى أقرب من الدنو وهو القرب والمعنى أن لا تشكوا في الشهادة لأن الريبة هي الشك.

ثم قال الله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا).

استثنى الله جل وعلا من الكتابة المبايعة بالنقود الحاضرة يدا بيد فرخص سبحانه في ترك الكتابة بذلك لأن كل واحد من الباعة والمشتري يقض قبل المفارقة فالبائع سلعته حاضرة والمشتري نقوده حاضرة فلا حاجة للكتابة لأن هذه التجارة ليس فيها أجل ولا تأخير فليس عليكم جناح أي حرج في عدم كتابتها والتجارة الحاضرة المبايعة يدا بيد.

قوله (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) الاشهاد على البيع عند جمهور الفقهاء مندوب إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد والاشهاد أفضل لئلا يضيع حق احد المتباعين قبل الآخر.

قوله (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ا) يضار بتشديد الراء اصله يضارر ثم ادغمت الراء بالراء وهو من الضرر بالكاتب والشاهد، بأن يكون هذا الكاتب مشغولا فلا يستطيع أن يكتب أو ان الشاهد يكون مشغولا بشهادة أخرى فيؤذيان هذا على قول، وفي قول آخر أن الله نهى كاتب الكتاب والشاهد بين أهل الحقوق أن يضر أصحاب الحقوق فيكتب ما لم يملله المملى ويشهد هذا بما لم يستشهده من طلب منه الشهادة.

قوله (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) يعني وإن تفعلوا من المضارة بالكاتب والشهيد وما نهيتم عنه من ذلك (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) يعني إثم بكم ومعصية، فالكاتب والشاهد يعصيان بالزيادة والنقصان وذلك من الكذب وإبطال الحقوق، وكذلك اذيتهما إذا كانا مشغولين تعتبر معصية، قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعني اتقوا الله خافوا الله أيها المتداينون في الكتاب والشهود أن تضاروهم ويعلمكم الله يبين لكم الواجب لكم وعليكم فاعملوا به (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعني عليم بكل شيء من أعمالكم وغيرها، يحصيها عليكم ليجازيكم بها.

Scroll to Top