يقول الله تعالى في سورة البقرة (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).

يعني فإن كان المدين الذي عليه المال سفيها والمقصود بالسفيه في هذه الآية الجاهل بالصواب في الذي عليه أن يمله على الكاتب، وليس المقصود هنا السفيه الذي يحجر عليه، لأن معنى السفيه المهلهل الرأي في المال الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء منها ومنه قول العرب ثوب سفيه خفيف النسج أي نسمة هواء تحركه.

قوله (أَوْ ضَعِيفًا) والمقصود بالضعف هنا هو ضعف البدن بضم الضاد وليس ضعف العقل بفتحها يقال في اللغة فيه ضعف وضعف يعني ضعيف البدن وضعيف العقل وضعف البدن إما ليعى في اللسان أو ان يكون أخرس اللسان.

قوله (أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُو) وهو الممنوع من الاملال إما بالحبس الذي لا يقدر معه على حضور الكاتب الذي يكتب الكتاب، وأما لغيبته عن موضوع الاملال فهو غير قادر من أجل غيبته.

قوله (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الراجح عند العلماء أن المقصود بقوله وليه بالعدل هو الدائن صاحب الدين يملي على الكاتب بالعدل يعني بالحق، ثم يعرض ما كتبه على المدين حتى يقر به.

قوله (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) الاستشهاد طلب الشهادة لأن السيد والتاء للطلب يعني اطلبون اثنين يشهدان على حقوقكم يقال فلان شهيدي على هذا المال وشاهدي عليه، والراجح عند العلماء أن الشهادة على الدين مندوبة وليست واجبة، ورتب الله سبحانه الشهادة بحكمته في الحقوق المالية، وشهيد صيغة مبالغة وفي ذلك دلالة على من قد شهد وتكرر منه ذلك فكأنه إشارة إلى العدالة، وقوله (مِنْ رِجَالِكُمْ) يعني من المسلمين البالغين.

قوله (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) والمعنى إن لم يأت طالب الشهادة برجلين فليأت برجل وامرأتين، فجعل الله تعالى شهادة المرأتين مع الرجل جائزة مع وجود الرجلين في هذه الآية ولم يذكرها في غيرها، فأجيزت في الأموال خاصة بشرط أن يكون معهما رجل وإنما كان ذلك في الأموال دون غيرها لأن الأموال كثر الله أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وتكررها فجعل فيها التوثق تارة بالكتابة وتارة بالإشهاد وتارة بالرهن وتارة بالضمان وأدخل في جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال، وأجاز العماء شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة مثل الرضاع والبكارة، وقوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) يعني من العدول المرتضى دينهم وصلاحهم.

قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) يعني كي تذكر إحداهما الأخرى إن نسيت لأن الغالب على النساء الارتباك والخجل والاستحياء ولأنهن لا يغشين مجالس الرجال.

قوله (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) ومعناه لا يأب الشهداء أن يجيبوا إذا دعوا ليشهدوا على الكتاب والحقوق، وقال بعض العلماء: يجب فرض ذلك على من دعي للأشهاد على الحقوق إذا لم يوجد غيره فأما إذا وجد غيره فهو في الإجابة إلى ذلك مخير: ان شاء شهد وإن شاء لم يشهد، والاستجابة هي الأفضل والأحسن، والشهداء جمع شهيد.

Scroll to Top