سبب نزول هذه الآية أن بعض المسلمين من الأنصار كانت لهم قرابة ونسب من المشركين وهم محتاجون فلا يتصدقون عليهم ويقولون ليسوا من أهل ديننا فأنزل الله قوله (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) يعني ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ولا تعطيهم منها، ليدخلوا في الإسلام وهم في حاجة منهم إلى هذه الصدقة ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له فلا تمنعهم الصدقة.
قوله (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) يعني أن النفقة من صدقة التطوع، والخير هنا هو المال لمن يحتاج إليها ومردودها لكم ونفقتك لنفسك وقوله (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) يعني أنتم تريدون بالإنفاق من صدقة التطوع وجه الله سبحانه، وقوله (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) هذا تأكيد وبيان لقوله تعالى (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) وأن ثواب الانفاق يوفى إلى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا فيكون ذلك البخس ظلما لهم.
ثم يقول الله تعالى بعد ذلك (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
يبين الله تعالى في هذه الآية سبيل النفقة ووجهتها فأنتم تنفقون للفقراء، والمراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش، وغيرهم ثم نتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقراء، ثم بين الله سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله تعالى (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعني حبسوا ومنعوا أو حبسوا أنفسهم عن التصرف في معاشهم خوف العدو، ولهذا قال تعالى (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ) لكون البلاد كلها كفرا مطبقا وهذا في صدر الإسلام، والضرب في الأرض هي التجارة ومنها جاءت المضاربة.
قوله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) أي أنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على الله بحيث يظنهم الجاهل بحالهم أنهم أغنياء من التعفف أي ترك المسألة والتوكل على الله (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) السيما هي العلامة يعني تعرفهم بأثر الفاقة والحاجة في وجوههم وقلة النعمة ورثاثة ثيابهم، قوله (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) الإلحاف والإلحاح معناها واحد، يقال ألح في المسألة أو ألحف بها أي أن هذا السائل يعم الناس بسؤاله كاشتمال اللحاف من التغطية ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرأوا إن شئتم (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)[1]“.
قوله (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) يعني ما تنفقون من مال فإن الله يعلمه إن أنفق في حلال أو حرام.
[1] – أخرجه البخاري (1479)، ومسلم (1039).


