يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

يعني الله بهذه الآية عز وجل ومثل الذين ينفقون أموالهم فيتصدقون بها، ويحملون عليها في سبيل الله ويقوون بها أهل الحاجة من العراة والمجاهدين في سبيل الله وفي غير ذلك من طاعات الله (ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) يعني طلب مرضاته سبحانه وتعالى.

قوله (اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي أن أنفسهم كانت موقنة مصدقة بوعد الله إياها فيما أنفقت في طاعته بغير من ولا أذى، فثبتهم في إنفاق أموالهم ابتغاء مرضاة الله وصحح عزمهم وأراهم سبحانه يقينا منها بذلك وتصديقا بوعد الله إياها ما وعدها.

قوله (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) يعني مثل البستان الذي تشابكت أشجاره وغصونه بحيث إذا دخله شخص لا يرى من كثرة اشجاره ومنه الجن والجنين لأنهما مستتران، وهذا البستان بربوة، والربوة هي ما ارتفع من الأرض ارتفاعا يسيرا بحيث لا يجرفه السيل وسميت ربوة لأنها غلظت وعلت وارتفعت وإنما وصفها الله بذلك جل ثناؤه لأن ما ارتفع عن المسايل والاودية اغلظ والبساتين فيها احسن وازكى ثمرا وغرسا وزرعا.

قوله (أَصَابَهَا وَابِلٌ) يعني نزل على هذا البستان المرتفع عن الوادي وابل وهو المطر الشديد العظيم.

قوله (فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ) أي أعطت ثمرها مرتين، ومعنى الأكل هو ما يؤكل من الثمار والأكل هو فعل الآكل.

قوله (فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) يعني إذا لم ينزل عليها المطر الشديد فإنها يصبها الطل والطل هو الندى أو الرذاذ من المطر ويسمى الطش والطشاش.

وإنما يعني تعالى بهذا المثل كما ضعف مرتين ثمرة هذا البستان الذي وصفه حين نزل المطر الوابل الشديد السحاب وإذا لم ينزل يصبها الندى أو الرذاذ فإنه سبحانه يضاعف الله صدقة المتصدق والمنفق ماله ابتغاء مرضاته سبحانه وتثبيتا من نفسه من غير من ولا أذى قلت نفقته أو كثرت لا تخيب ولا تتخلف كما تضاعف الجنة ثمارها قل ما أصابها من المطر أو كثر لا يتخلف خيرها بحال من الأحوال.

قوله (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يعني بذلك سبحانه والله بما تعملون أيها الناس في نفقاتكم التي تنفقونها بصير أي لا يخفى عليه منها ولا من أعمالكم فيها وفي غيرها شيء، يعلم من المنفق منكم بالمن والاذى، والمنفق ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من نفسه فيحصى عليكم حتى يجازي جميعكم جزاءه على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهو سبحانه بخلقه بالمرصاد.

يقول تعالى في سورة البقرة (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

قوله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) يعني أيحب أحدكم (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) أي بستان من نخيل وأعناب وهو الغالب في الجزيرة وخاصة في المدينة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) يعني من تحت البستان (لَهُ) أي لصاحب البستان (فِيهَا) في البستان (مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) يعني ما من شيء إلا نابت في هذا البستان ولكن الغالب البلح والعنب.

وإنما جعل الله سبحانه هذه الآية مثلا لنفقة المنافق التي ينفقها رياء الناس وليس ابتغاء مرضاة الله مثل هذا البستان الجميل من نخيل واعناب له فيها من كل الثمرات، لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا له فيه من كل خير من عاجل الدنيا.

قوله (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ) يعني أن صاحب البستان أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء صغار أطفال (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) أن أصاب جنته بستانه إعصار أي ريح شديدة فيها السموم الرياح الساحقة أو في الاعصار رعد وبرق واحترقت هذه الجنة من هذا الاعصار في حال حاجته إليها وضرورته إلى ثمرتها لكبره وضعف عن عمارتها من جديد وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها وهو في أشد الحاجة إليها فكذلك المنفق ماله رياء الناس أطفأ الله نوره وأذهب عمله وأحبط اجره حتى لقي ربه وهو في أشد الحاجة إلى عمله ولكنه لا يستطيع وهذا المثل الذي ضربه الله للمنفقين أموالهم رياء الناس في هذه الآية مثل المثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا).

قوله (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) يعني كما بين لكم ربكم تبارك وتعالى أمر النفقة في سبيله وكيف وجهها ومالكم وما ليس لكم فعله فيها، كذلك يبين لكم الآيات جميعا فيعرفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حججها إنعاما منه بذلك عليكم لعلكم تتفكرون أي لتتفكروا بعقولكم فتتدبروا وتعتبروا بحجج الله فيها، وتعملوا بما فيها من أحكامها فتطيعوا الله به.

Scroll to Top