قوله تعالى في سورة البقرة (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

قوله (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) معناه النهي عن ان يعبد شيء غير الله، وقوله (الْحَيُّ) فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أول له يحد، ولا آخر له ينتهى، وكل ما سواه سبحانه وإن وصف بالحياة فلحياته أول محدود وآخر ينقطع بانقطاع أمد حياته، وينقضى بانقضاء غايتها.

وقوله (الْقَيُّومُ) فإنه القائم سبحانه برزق ما خلق وحفظه فهو القائم على كل شيء يكلؤه ويرزقه ويحفظه وهو الدائم على هذا لا يكل ولا يمل.

قوله (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) يعني لا يأخذه نعاس فينعس ولا نوم فيستثقل نوما، والوش تسمى خثورة النوم أو خدورة النوم.

قوله (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يعني أنه سبحانه مالك جميع ذلك بغير شريك، وخالق جميع ما في السموات وما في الأرض دون كل آلهة وجحود، وهذا يعني أنه لا ينبغي العبادة لشيء سواه.

قوله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يعني لا أحد يشفع لأحد عند الله إلا لمن يأذن الله له بالشفاعة، وقد ورد أن المشركين قالوا كما أخبر عنهم الله سبحانه وتعالى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ويقصدون أوثانهم وأصنامهم، فذكر لهم الله أن له ما في السموات وما في الأرض، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم منه زلفا فإنها لا تنفعكم عند الله ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عند الله أحد لأحد إلا إذا أذن له الله، والشفاعة لمن يشفع له من رسل الله وأولياؤه وأهل طاعته.

قوله (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) يعني أنه تعالى المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما لا يخفى عليه شيء منه، والمقصود بـ (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني الحياة الدنيا وما أعطاهم الله من مال أو صحة أو منصب أو جاه أو ملك وغير ذلك من شئون الحياة، وما خلفهم يعني مستقبل حياتهم من أجلهم ومرضهم وتغير حالتهم في المستقبل وكذلك علم الآخرة ومالهم ومستقرهم فيها.

قوله (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) أي أنه العالم الذي لا يخفى عليه شيء محيط بذلك كله يعلمها ولا يخفى عليه صغيرها وكبيرها، ولا يعلمون بشيء من علمه إلا بما شاء هو أن يعلمهم.

قوله (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الراجح من أقوال المفسرين في معنى كرسيه السموات والأرض هو علم الله الذي وسع السموات والأرض، وأصل الكرسي في كلام العرب العلم ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة ومنه يقال للعلماء: الكراسي لانهم المعتمد عليهم كما يقال: أوتاد الأرض.

قوله (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) يعني لا يشق عليه ولا يثقله، يقال أدنى هذا الأمر فهو يئودني يعني اثقلني وشق علي فهو لي مثقل، قوله (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) العلي: يعني ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته، (الْعَظِيمُ) ذو العظمة الذي كل شيء دونه فلا شيء أعظم منه، وهذه الآية تسمى آية الكرسي وهو تسمى كذلك سيدة آيات القرآن لاحتوائها على عبادة الله تعالى وحده وعظمته وعلوه وعلمه وملكه وديمومته سبحانه وتعالى.

Scroll to Top