قوله (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) فصل معناه خرج بهم من فضلت الشيء فانفصل فقال لهم طالوت (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) الابتلاء الاختبار قال بعض العلماء أن النهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر الأردن وفلسطين، ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه مطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته في الماء وعصى الأمر فهو في العصيان في الشداد أحرى.
قوله (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) معنى شرب أي كرع فيه حتى ارتوى، ومعنى (فليس مني) أي ليس من اصحابي في هذه الحرب.
قوله (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) من لم يشربه لأن من عادة العرب إذا كرروا شيئا أن يكرروه بلفظ آخر ثم فيه معنى آخر وهو أن العطشان شديد العطش يشرب الماء ويود أن لا ينتهي كأنه يستطعمه ويقول أن له لذة.
قوله (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) الاغتراف: الأخذ من الشيء باليد وبالة ومنه المغرفة وطالوت رخص للمطيعين له في ان يغترفوا بأيديهم ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) لم يستمع أغلبهم لأوامر طالوت ولم يكن معه في طاعته إلا القليل منهم.
قوله (فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) يعني فلما قطعوا النهر وتجاوزه (هُوَ) أي طالوت والذين آمنوا معه أي اطاعوه نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا كما ف بعض الروايات مائة ألف ومهم سلاحهم، قالوا لطالوت كيف تطيق العدد مع كثرتهم وهم أكثر منا عددا وعدة فقال أولوا العزم منهم وهم المستيقنون لقاء ربهم (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ) الظن هنا بمعنى اليقين وهو كما يقول علماء اللغة من الفاظ الاضداد.
قوله (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ) الفئة الجماعة من الناس وفي قولهم هذا تحريض على القتال واستشار للصبر واقتداء بمن صدق ربه.
قوله (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه، وكذلك يقال لكل معين رجلا على غيره هو معه بمعنى هو معه بالعون له وبالنصرة.
يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
قوله (وَلَمَّا بَرَزُوا) صاروا في البراز وهو المكان المتسع من الأرض ويسمى كذلك الافح، والافسح، قوله (لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) جالوت أمير العمالقة وملكهم وهم طوال القامة، ولما رأى المؤمنون كثرة عددهم تضرعوا إلى ربهم (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) يعي أنزل علينا صبرا (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) يعني قو قلوبنا على جهادهم لتثبت أقدامنا فلا ننهزم عنهم (وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) الذين كفروا بك فجحدوك إلها وعبدوا غيرك واتخذوا الاوثان أربابا.
قوله (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) يعني فاستجاب لهم ربهم فأفرغ عليهم صبره وثبت اقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله، ومعنى الهزم الكسر ومنه جربة مهزمة أي انثنى بعضها على بعض مع الجفاف.
قوله (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) وداود هو نبي الله عليه السلام كان في جيش طالوت، واختاره طالوت من بين قومه لقتال جالوت وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يد داود وهو داون بن إيش وكان من سبط يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام جمع الله له بين النبوة والملك.
قوله (جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) أي اعطه الله ملك طالوت ونبوة شمعون، وعلمه صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك مما يشاء سبحانه.
قوله (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يعني ولولا أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الطاعة له والإيمان به بعضا وهم أهل المعصية لله والشرك به وهذه سنة الله في الأرض كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر الله والمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر جالوت وجنوده (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يعني لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم ففسدت بذلك الأرض، قوله (وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) يعني ولكن الله ذو من على خلقه بدفعه بالمؤمن من خلقه عن الفاجر وبالمطيع عن العاصي منهم وبالمؤمن عن الكافر.
قوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) هذه حجج واعلام وأدلة الله التي اخبرك بها يا محمد عن أصحاب طالوت وعن جالوت وجنوده، حجج على من جحد نعمتي وخالف أمري وكفر برسولي من أهل الكتاب من التوراة والإنجيل الذين يعلمون ما قصصته عليك هو الحق اليقين وأنك لم تتقولها لها أنت يا محمد لأنك أمي ولست ممن قرأ الكتب وهذا مما تقدم ذكره لا يعلمه إلا نبي مرسل.


