(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) أي تنحيتم عن طريق الاستقامة واصل الزلل في القدم يعني انحراف القدم بسبب الزلق ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي المعجزات وما ورد في شريعة اليهود والنصارى من الإعلام محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ومعنى عزيز أي لا يمتنع عليه ما يريده ومعنى حكيم أي يضع الشيء في موضعه المناسب له.
قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، (هَلْ يَنْظُرُونَ) يعني هو التاركين الدخول في الإسلام ماذا ينتظرون يقال نظرته وانتظرته والنظر هنا معناه الانتظار (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ) معنى الآية هل ينتظرون إلا أن يظهر الله تعالى فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما هو قاض سبحانه وتعالى ومعنى (ظُلَلٍ) جمع ظل من الغمام السحاب الرقيق الأبيض سمى بذلك لأنه يغم أي يستر (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) والمعنى وقع الجزاء وعذب أهل العصيان، والأمور كلها راجعة إلى الله قبل وبعد.
يقول الله تعالى في سورة البقرة (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
(سَلْ) من السؤال بتخفيف الهمزة، وعند العرب أثبات الف الوصل مع الهمزة في عطف الكلام مثل قوله تعالى (واسأل القرية) وقوله تعالى (واسألوا الله من فضله) ويجوز اسقاطها في مبتدأ الكلام كما في هذه الآية، وكذلك في قوله تعالى في سورة نون (سلهم أيهم بذلك زعيم).
قوله (كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ) يعني الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام من فلق البحر والظل من الغمام والعصا واليد وغير ذلك، وأمر الله نبيه بسؤالهم على جهة التقريع لهم والتوبيخ.
قوله تعالى (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) هذا لفظ عام لجميع العامة، وإن كان المشار إليه بني إسرائيل لكونهم بدلوا ما في كتبهم وجحدوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فاللفظ منسحب على كل مبدل نعمة الله تعالى، ونعم الله كثيرة متعددة، والنعمة المقصودة في هذه الآية نعمة الإسلام، ويدخل في هذا اللفظ أيضا كفار قريش، فإن بعث محمد صلى الله عليه وسلم فيهم نعمة عليهم فبدلوا قبولها والشكر عليها كفراً.
قوله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذا خبر يتضمن الوعيد، والعقاب مأخوذ من العقب كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه فالعقاب والعقوبة يكونان بعقب الذنب يقال: كما فيه بذنبه.
ثم يقول الله سبحانه (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يعني زين للذين كفروا حب الدنيا العاجلة في الذنب فهم يبتغون فيها المكاثرة والمفاخرة، ويطلبون فيها الرياسات والمباهاة ويستكبرون عن اتباعك يا محمد والمراد في هذه الآية رؤساء قريش، ولفظها عام، والمزين هنا للكفار الشيطان بوسوسته وإغوائه وخص الذين كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة بسببها، وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة، والكفار تملكتهم الدنيا لأنهم لا يعتقدون غيرها.
قوله تعالى (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) وقف لازم إشارة إلى كفار قريش فإنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها، ويسخرون من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لفقرهم وإقلالهم كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم، أي يستهزئون منهم مع الضحك بهم.
قوله تعالى (آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) نبه سبحانه على خفض منزلة الكفار الساخرين المستهزئين بأن المتقين فوق هؤلاء في الدرجة فهم في أعلى عليين، والكفار في اسفل سافلين يوم القيامة قوله تعالى (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) هذا إشارة إلى هؤلاء المستضعفين أي يرزقهم علو المنزلة وعظيم النعمة عليهم وجعل رزقهم بغير حساب من حيث هو دائم لا يتناهى فهو لا ينعد.


