يقول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ).

هذه الآية نزلت في الاخنس بن شريق واسمه ابي، والأخنس لقب لقب به، وكان رجلا حلو القول والمنظر فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وقال: الله يعلم أني صادق، ثم هرب بعد ذلك فمر بزرع لقوم من المسلمين وبخمر فأحرق الزرع وعقر الخمر، وقال جماعة من العلماء: أن هذه الآية في كل مبطن كفرا أو نفاقا أو كذبا أو إضرارا وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك فهي عامة وامثال هذا موجود دون  في كل عصر ومصر، وهذه الآية تشبه ما ورد في سنن الترمذي رحمه الله أن في بعض كتب الله تعالى إن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، يشترون الدنيا بالدين يقول الله تعالى ابي يغترون وعلي يجترئون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران.

(وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ) أي يقول: الله يعلم انى أقول حقا (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) الألد هو الشديد الخصومة أو اشد الناس المخاصمين خصومة أي هو ذو جدال إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنة باطل وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم”[1].

يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).

معنى الآية: وإذا أدبر هذا المنافق وهو الأخنس بن شريق الثقفي من عندك يا محمد منصرفا عنك غضبان (سَعَى فِي الْأَرْضِ) أي عمل في الأرض فما حرم الله عليه وحاول فيها معصية الله وقطع الطريق وإفساد السبيل على عباد الله وإهلاك الحرث والنسل، والآية وإن نزلت في الأخنس بن شريق لأنه حرق الزرع وعقر الخمر لكنها صارت عامة لجميع الناس فمن عمل مثل عمله استوجب تلك اللعنة والعقوبة، واستوجب الملامة ولحقه هذا العيب إلى يوم القيامة وقال بعض المفسرين: المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل، والحرث في اللغة الشق ومنه المحراث لما يشق الأرض ويأتي الحرث بمعنى كسب المال  وجمعه ويطلق الحرث كذلك على الزرع والحراث الزراع، والنسل ما خرج من كل أنثى من ولد وأصله في اللغة الخروج والسقوط ومنه نسل الشعر ومنه قوله تعالى (إلى ربهم ينسلون) وقوله (من كل حدب ينسلون) أي يخرجون، ودلت هذه الآية على العناية بحرث وزراعة الأرض وغرسها بالأشجار حملا على الزرع وطلب النسل وهو نماء الحيوان وبذلك يتم قوام الإنسان.

(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) الفساد هو الخراب، والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين، ومعنى لا يحب الفساد أي لا يأمر به ولا يحبه من أهل الصلاح أو لا يحبه شريعة ودينا.

يقول الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)، هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا وغرورا، وكفى بالمرء إثما ان يقول له أخوه اتق الله فيقول: عليك بنفسك مثلك يوصيني أو انت تأمرني، والعزة والقوة والغلبة والحمية والمتعة وشدة النفس أي اعتز في نفسه فاوقعه تلك العزة في الاثم، وإذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية وحملته العزة وأخذته بما يؤثمه ومثله قوله تعالى (بل الذين كفروا في عزة وشقاق).

(فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) حسبه أي كافيه معاقبة وجزاء كما تقول للرجل، كفاك ما حل بك وانت تستعظم وتعظم ما حل عليه، (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) المهاد جمع المهد وهو الموضع المهيأ للنوم ومنه مهد الصبي، وسميت جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار.

يقول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) لما ذكر الله صنيع المنافقين ذكر بعده صنيع المؤمنين، وهذه الآية نزلت في صهيب بن سنان بن مالك الرومي رضي الله عنه فإنه أقبل مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته واخرج السهام من كنانته وأخذ قوسه وقال: لقد علمتم أني من أرماكم والله لا تصلون إلي حتى ارمى بما في كنانتي ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا: لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا ولكن دلنا على ملك بمكة ومخلي عنك عاهدوه على ذلك ففعل فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ربح البيع أبا يحيى”، وتلا عليه هذه الآية، وقيل: نزلت في علي بن ابي طالب رضي الله عنه حين تركه النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه ليلة خرج إلى غار ثور وقيل: الآية عامة تتناول كل مجاهد في سبيل الله.

يقول الله تعالى في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

أرجح الأقوال في تفسير هذه الآية قول ابن عباس رضي الله عنهما ان المخاطب فيها هم أهل الكتاب والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم كافة واجتمعوا واثبتوا عليه، فالسلم في هذه الآية بمعنى الإسلام، و(كَافَّةً) معناه جميعا، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام.

قوله (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) نهى الله سبحانه وتعالى عن سلوك طرائق الشيطان التي يدعوكم إليها (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يعني ظاهر العداوة لكم.


[1] – أخرجه البخاري (2457)، ومسلم (2668).

Scroll to Top