قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

قوله تعالى (وَهُمْ كُفَّارٌ) يعني ماتوا وهم على حالة الكفر، والمراد بهذه الآية أن الناس يلعنون الكفار يوم القيامة ليتأثروا بلك ويتضرروا وتتألم قلوبهم فيكون ذلك جزاء على كفرهم كما قال تعالى (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) والآية على الأخبار عن الله تعالى يلعنهم ولا تدل على الأمر بلعنهم.

واختلف العلماء في لعن الكافر المعين قبل وفاته كأن يقول اللهم العن فلانا الكافر فذهب بعضهم إلى أن الكافر المعين لا يجوز لعنه لأن حالة عند الوفاة لا تعلم، وقد شرط الله تعالى في هذه الآية في إطلاق اللعنة الموت على الكفر، وأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لعن أقواما بأعيانهم من الكفار فإنما كان ذلك لعلمه بمالهم ونهايتهم على الكفر، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز لعن الكافر المعين حال حياته لظاهر حال وكجواز قتله وقتاله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اللهم إن عمرو بن العاص هجاني وقد علم أني لست بشاعر فالعنه واهجه عدد ما هجاني” وإن كان الإيمان والدين والإسلام مال عمرو بن العاص رضي الله عنه.

أما لعن الكفار جملة من غير تعيين فلا خلاف بين العلماء في ذلك رواه مالك عن داود بن الحصين يقول “ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان”[1] ولعنهم ليس بواجب ولكنه مباح فعله لمجدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله، وكذلك لا خلاف بين العلماء في لعن كل من جاهر بالمعاص كشراب الحمر وأكلة الربا ومن تشبه من النساء بالرجال ومن الرجال بالنساء إلى غير ذلك مما ورد في الأحاديث لعنه، واتفق العلماء على أن لعن العاصي المعين لا يجوز لما روى عن النبي صلى الله عليه سلم أنه أتي بشارب خمر مرارا، فقال بعض من حضره لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم”[2].

(أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي ابعادهم من رحمته وأصل اللعن الطرد، والابعاد، فاللعنة …. الطرد واللعنة من الله العذاب، ثم قال تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي في جزاء اللعنة أنها مؤيدة عليهم (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يؤخرون من العذاب ……

يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ).

(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لما حذر الله تعالى من كتمان الحق بين سبحانه أن أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه أمر التوحيد ووصل ذلك بذكر الدليل وعلم طريق النظر وهو الفكر في عجائب صنع الله سبحانه ليعلم الإنسان أنه لابد لهذا الصنع من فاعل لا يشبهه شيء.

(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) لفي وإثبات أولها كفر وآخرها إيمان ومعناه لا معبود إلا الله وهو ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها والرحيم بعباده وهو زيادة تفضل من الله سبحانه وانعام بعد انعام.

قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

لما نزلت آية (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) قال كفار قريش: كيف يسع الناس إله واحد فنزلت هذه الآية دليلا على أية التوحيد وأن هذا العالم ولبناء العجيب لابد له من بان وصانع والدليل الأول هو في خلق السموات وارتفاعها بغير عمد من تحتها ولا علائق من فوقها ودل ذلك على القدرة، ثم ما فيها من الشمس والقمر والنجوم السائرة والكواكب الزاهرة شارقة وغاربة نيرة نيرة ، والدليل الثاني هو آية الأرض بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها وجبالها والدليل الثالث (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) بأقبال احدهما وإدبار الآخر واختلافهما في الأوصاف من النور والظلمة والطول والقصر، والدليل الرابع هو آية الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وهي السفن وأصل الفلك في اللغة الدوران ومنه فلك السماء التي تدور عليه النجوم وسميت السفينة فلكا لأنها تدور بالماء اسهل دور ووجه الآية في الفلك: تسخير الله إياها حتى تجري على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها (بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ) أي بما ينفع الناس بركوبها للتجارة أو العبادة كالحج وغير ذلك من الحاجات، الدليل الخامس هو آية (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) يعني بها الامطار التي بها أنعاش العالم وإخراج النبات والأرزاق وجعل من الماء المخزون عدة  للانتفاع في غير وقت نزول الأمطار كما قال تعالى (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) والدليل السادس هو آية (وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) بث فرق ونشر ومنه قوله تعالى (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) وفيها في الأرض وكله دابة تجمع الحيوان كله بما فيها الطيور لأنها تدب برجلها الأرض لالتقاط رزقها، والدليل السابع هو أية تصريف الرياح، وتصريفها إرسالها جنوبا وشمالا وشرقا وغربا، والرياح جمع ريح وسميت بالريح لأنها تأتي بالروح غالبا والروح هو التفريج والتنفيس والترويح والدليل الثامن هو آية والسحاب المسخر بين السماء والأرض، سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء ومن معانيه الشدة والسحاب غالبا ما يكون به شدة المطر، والمسخر معناه المذلل وتسخره بعثه من مكان إلى آخر، ومنه قوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)، يعني هذا السحاب ليس ثابتا في السماء أو في الأرض وإنما هي مسخرة محمولة وذلك أعظم في قدرة الله تعالى لآيات لقوم يعقلون، أي دلالات تدل على وحدانيته وقدرته ورحمته ورأفته بخلقه حتى يتفكر هذا الإنسان ويتدبر ويعتبر ويستعمل عقله بزيادة ولذلك ذكرت هذه الآيات عقيب قوله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ).


[1] -موطأ مالك (381).

[2] – صحيح البخاري ( 6781).

Scroll to Top