قوله تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

(فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته والمعنى: فإن آمنوا مثل إيمانكم وصدقوا مثل تصديقكم فقد اهتدوا وليس المقصود بالمثل هنا التشبيه بين إيمانهم وإيمانكم ولكن المقصود هنا أنهم إن آمنوا بما أمنتم به والمعنى فإن آمنوا بنبيكم وبعامة الأنبياء ولم يفرقوا بينهم كما لم تفرقوا فقد اهتدوا.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) والمعنى وإن أعرض هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كونوا هودا أو نصارى فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيها المؤمنون بالله وبما جاءت به الأنبياء وأبتعثت به الرسل وفرقوا بين رسل الله وبين الله ورله فصدقوا ببعض وكفروا ببعض فأعلموا أيها المؤمنون أنهم في عصيان وفراق وحرب لله والرسول ولكم ومعنى الشقاق الفراق والمحاربة، وأصل الشقاق مأخوذ من قول القائل شق عليه هذا الأمر إذا كربه وآذاه، وشاق فلان فلانا، بمعنى عال كل واحد منهما من صاحب من كرب وأذى وإساءة، ومنه قوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما) بمعنى فراق بينهما.

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فسيكفيك يا محمد هؤلاء أما بقتل وإما بجلاء عن جوارك وغير ذلك من العقوبات، فإن الله هو السميع لما يقولون لك بألسنتهم ويبدون لك بأفواههم من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة، العليم بما يعطون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد البغضاء، فيفعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم واجلى بعضا وأذل بعضا وأخزاه بالجزية والصغار.

قوله تعالى (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).

(صِبْغَةَ اللَّهِ) معناها دين الله أو فطرة الله وهي الإسلام، وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام، وأن صبغة لهم في النصرانية ويسمونها المعمودية أي أن صبغة الله أحسن صبغة وهي الإسلام، فسمى الدين صبغة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) أي لا صبغة أحسن من الإسلام ولا أطهر وهو دين الله الذي بعث بن نوحا والأنبياء بعده.

(وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) ونحن لله خاضعون ومستكينون في اتباعنا ملة إبراهيم غير مستكبرين في اتباع أمره والإقرار برسالة رسله كما استكبرت اليهود والنصارى فكفروا محمد صلى الله عليه وسلم استكبارا وبغيا وحسدا.

يقول تعالى (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ).

(قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ) قل يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك كونوا يهودا أو نصارى تهتدوا، وزعموا أن دينهم خير من دينكم، وكتابهم خير من كتابكم وحجتهم أن كتابهم كان قبل كتابكم وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منكم قل لهم اتجادلوننا وتخاصموننا في الله جل وعلا ومعنى (فِي اللَّهِ) أي في دينه والغرب منه والخطوة عنده.

(وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) يعني أن الرب واحد بيده الخيرات والثواب والعقاب، والجزاء على الأعمال الحسنات منها والسيئات، فتزعمون أنكم بالله أولى منا بحجة أن نبيكم قبل نبينا وكتابكم قبل كتابنا وربكم وربنا واحد.

(وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أي أن لكل فريق منا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ويجازي فيثاب أو يعاقب لا على الأنساب وقدم الدين والكتاب.

(وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) أي ونحن لله مخلصوا العبادة والطاعة، لا نشرك به شيئا ولا نعبد غيره أحدا كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان وأصحاب العجل معه العجل، وهذا من الله تعالى توبيخ لليهود واحتجاج لأهل الإيمان يعني قولوا أيها المؤمنون لليهود والنصارى الذين قالوا لكم كونوا هودا أو نصارى تهتدوا أنكم مخلصون لله العبادة لم نشرك به شيئا وقد اشركتم في عبادتكم إياه فعبد بعضكم العجل وبعضكم المسيح فكيف تكونوا خيرا منا وأولى بالله منا.

يقول تعالى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

الراجح من تفسير قوله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ) يعني أي الامرين تفعلون أيه المحاجة في الله أم زعمكم إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط كانوا هودا أو نصارى على ملتكم ودينكم فهاتوا على ذلك برهانكم وحجتكم، لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الرسول والانبياء، وهذه الآية كذلك احتجاج من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى بأن هؤلاء الأنبياء قد جعلهم الله أئمة يقتدى بهم.

(قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) هذا تقرير وتوبيخ في ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى فرد الله عليهم بأنه سبحانه أعلم بهم منكم وبما كانوا عليه من الأديان أي لم يكونوا هودا ولا نصارى.

Scroll to Top