قوله تعالى (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

أي أخلص دينك لله بالتوحيد أو اخضع واخشع والإسلام في كلام العرب هو الخضوع والانقياد لله تعالى.

قوله تعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ) أي بالملة التي هي الدين والشرع أو بالكلمة التي هي قوله (أسلمت لرب العالمين) أبناءه، وكذلك وصى بها يعقوب عليه السلام أبناءه.

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ) أي إن الله اختار لكم الإسلام بمعنى الخضوع والخشوع وإخلاص العبادة لله تعالى.

(فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وفي هذه الآية إيجاز بليغ، أي ألزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا، وتتضمن هذه الآية وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو على هذا الأمر فقد توجه الخطاب من وقت الأمر دائبا لازما.

قوله تعالى (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ) الخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم عليه السلام ما لم يوصي به بنيه، وأنهم على اليهودية والنصرانية، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم وقال لهم على جهة التوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم، أي لم تشهدوا، بل أنتم تفترون، و(أَمْ) بمعنى بل، أي بل اشهد أسلافكم يعقوب و(شُهَدَاءَ) جمع شاهد أي حاضر.

(إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) أي مقدمات الموت وأسبابه، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن ان يقول شيئا، وعبر عن المعبود بـ (مَا) ولم يقل من، لأنه أراد أن يختبرهم ولو قال ” مِنْ ” لكان مفقودة أن ينظر من لهم الاهتداء منهم، وإنما أراد تجربتهم فقال (مَا) وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة فاستفهم يعقوب عما يعبدون من هذه، ومعنى (مِنْ بَعْدِي) أي من بعد موتي.

(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ…) فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى.

(وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سمى الله كل واحد من الجد والعم اباء وبدأ بذكر الجد إبراهيم ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من اسحق و(إِلَهًا وَاحِدًا) كرر ذكر الإله لفائدة وتثبيت الصفة بالوحدانية (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وخالنا أننا خاضعون لله مستسلمون له.

قوله تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

يعني تعالى ذكره بقوله (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يقول لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم ولا تعطوهم كفر اليهودية والنصرانية فتضيفوها إليهم فإنهم أمة: يعني بالأمة في هذا الموضع الجماعة من الناس قد خلت: مضت لسبيلها ويعين بقوله (لَهَا مَا كَسَبَتْ) أي ما عملت من خير ولكم يا معشر اليهود والنصارى مثل ذلك ما عملتم ولا تؤاخذون أنتم أيها السائلون عما كانوا يعملون ويكسبون من خير أو شر لأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت فدعوا صفة دينهم وملكهم، فإن الدعاوى غير تغنيكم عند الله، وإنما نغني عنكم عنده – سبحانه – ما سلف لكم من صالح أعمالكم إن كنتم عملتموها وقدمتموها.

يقول تعالى (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا) دعت كل فرقة إلى ما هي عليه، فرد الله تعالى ذلك عليهم فقال (بَلْ مِلَّةَ) أي قل يا محمد بل نتبع ملة أي ديانة إبراهيم عليه السلام يعني أن الهدى في دين إبراهيم (حَنِيفًا) مائلا الأديان المكروهة إلى الحق دين إبراهيم، وسمى إبراهيم حنيفا لأنه حنيف إلى دين الله وهو الإسلام، والحنف في اللغة الميل ومنه رجل حنفاء ورجل أحنف وهو الذي يميل قدماه كل واحدة منهما إلى الأخرى بمقدمتها، وقال قوم أصل الحنف الاستقامة، فتسمى دين إبراهيم حنيفا لاستقامته، وتسمى المعوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة كما قيل للديغ سليم وللهلكة مفازة.

يقول تعالى (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أ سبب نزول هذه الآية مجيء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم لسيألوه عمن يؤمن به من الأنبياء فنزلت هذه الآية فلما جاء ذكر عيسى عليه السلام قالوا: لا نؤمن بعيسى ولا من آمن به.

(قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ) الخطاب في هذه الآية لهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، علمهم الإيمان أي قولوا أيها المؤمنون لهؤلاء اليهود والنصارى الذين قالوا لكم كونوا نصارى تهتدوا: آمنا بالله أي صدقنا بالله لأن معنى الإيمان التصديق، (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) أي صدقنا الكتاب الذي أنزله الله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

(وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) أي صدقنا أيضا وآمنا ما أنزل إلى هؤلاء الأنبياء والاسباط هم أبناء يعقوب عليه السلام وهم أثنا عشر ولدا ولد لكل واحد منهم أمة من الناس والسبط بمنزلة القبيلة أو الجماعة أو بمعنى السبط وهو الشجر لكثرتهم والواحدة سبطة.

(وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) بمعنى وآمنا أيضا بالتوراة التي آتاها الله موسى، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى والكتب التي آتي التبيين كلهم وأقررنا وصدقنا أن ذلك كله حق وهدى ونور من عند الله، وأن جميع من ذكر الله من انبيائه كانوا على حق وهدى يصدق بعضهم بعضا (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) يعني: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، ونتبرأ من بعض ونتولى بعضا كما تبرأت اليهود من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرت بغيرهما من الأنبياء، وكما تبرأت النصارى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرت بغيره من الأنبياء بل نشهد لجميعهم أنهم كانوا رسل الله وانبياءه.

(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ونحن لله خاضعون بالطاعة مذعنون له بالعبودية.

Scroll to Top