قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا من مقدمة إلى المدينة، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند تحويل وجهه ووجه أصحابه شطر المسجد الحرام، وكان هذا في شهر رجب وكان صلى الله عليه وسلم يتمنى أن تكون قبلته الكعبة وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل المسجد في قباء وهم ركوع فقال: أشهد لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قبل بيت المقدس، فلما ولى وجهه قبل البيت الحرام أنكروا ذلك.

قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) أعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم سيقولون في تحويل المؤمنين قبلتهم من بيت المقدس إلى الكعبة (مَا وَلَّاهُمْ) والسفهاء جمع سفيه وهو الخفيف العقل من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيفا لنسج وقيل السفيه هو الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم وقيل هو الظلوم الجهول، والمراد بالسفهاء من الناس هنا اليهود الذين بالمدينة وهذا هو الراجح، وقيل الراد بالمنافقون، أو كفار قريش لما أنكروا تحويل القبلة قالوا: قد اشتاق محمد إلى مولده وعن قريب يرجع إلى دينكم.

ومعنى (مَا وَلَّاهُمْ) يعني ما الذي عدلهم وصرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، يعني اتجاههم إلى بيت المقدس، وقد اختلف العلماء في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلاثة أقوال، الأول كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم عن رأي واجتهاد، والقول الثاني: أن النبي كان مخيرا من ربه بين الاتجاه إلى بيت المقدس وبين الاتجاه إلى الكعبة، فاختار القدس طمعا في إيمان اليهود واستمالتهم، والقول الثالث هو القول الراجح وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله سبحانه أمره باستقبال بيت المقدس، ثم نسخ الله ذلك وأمره أن يستقبل بصلاته الكعبة واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه).

(قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يعني قل يا محمد لهؤلاء لله ملك المشرق والمغرب جهات مشارق الشمس وجهات مغاربها وما بينهما من العالم، وهذا القول من الرسول حجة على هؤلاء.

(يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) هذه الآية إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الآمة إلى قبلة إبراهيم عليه السلام الذي جعله الله للناس إماما، والصراط المستقيم هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه.

Scroll to Top