(بَدِيعُ) صيغة مبالغة مثل بصير من مبصر وبديع من مبدع، وأبدعت الشيء اخترعت الشيء ولم يسبقني إليه أحد، فالله عز وجل بديع السموات والأرض أي منشئ السموات والأرض وموجدها ومخترعها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم تسبق إليه قبل له مبدع، ومنه أصحاب البدع وسميت البدعة بدعة لأن قابلها ابتدعها من غير أن يكون لها اصل في الشرع.
(وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) أي إذا أراد إحكامه واتقانه – كما سبق في علمه – ومه سمى القاضي لأنه إذا حكم فقد فرغ مما بين الخصمين، والمقصود بالأمر في هذه الآية هو إيجاد السموات والأرض وخلقهما من غير سبق له سبحانه بإراداته جل وعلا.
(فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي إذا أراد خلق شيء وإيجاده يكون بأمره سبحانه بين الكاف والنون، كن أمر من الله تعالى فيكون بمعنى يصير ويوجد، وقوله (كُنْ فَيَكُونُ) خبر من الله تعالى عام عن جميع ما يحدثه ويكونه إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده سبحانه، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولا والله أعلم.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هم اليهود والنصارى على عهد محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك مشركوا العرب، و(لَوْلَا) بمعنى هلا وهي للتحضيض وليست (لَوْلَا) التي تعطي منع الشيء لوجود غيره، والمعنى هلا يكلمنا الله بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنعلم أنه نبي فنؤمن به أو يأتينا بأية تكون علامة على نبوته ومعنى الآية هنا الدلالة والعلامة.
(كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) يعني الأمم السالفة قالوا لأنبيائهم مثلما قال هؤلاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
(تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي اتفقت على الكفر في التعنيت والاقتراح وترك الايمان فالكفر كله ملة واحدة.
(قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي وضحنا العلامات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للمؤمنين الموقنين يعلمون علما لا شك فيه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ).
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) أي تبشرهم بالجنة ونعيمها وتحذرهم من النار وعذابها.
(وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) يعني لست مسئولا ولا مؤاخذا بكفر من كفر بعد التبشير والإنذار.
قوله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) المعنى ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا، بل لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم على ملتهم، والملة هي الشريعة والمنهج والطريقة.
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي لا ما يدعيه هؤلاء.
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) الأهواء جمع هوى والأهواء مختلفة وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المراد به أمته تحذيرا من الله لها من اتباع الأهواء المختلفة والبعد عن الهدى الحقيقي وإذ أتبعت أهواء الكفر تخلى الله سبحانه عن سندهم ونصرتهم وهذه سنة الله في خلقه.
قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) قال بعض المفسرين: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والكتاب على هذا التفسير هو القرآن، وقال بعض المفسرين: هم من أسلم من بني إسرائيل والكتاب على هذا التفسير هو التوراة، والآية عامة.
(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) أي يتبعونه حق اتباعه باتباع الأمر والنهي، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بما تضمنه ومنه قوله تعالى (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) أي اتبعها، وهم كذلك الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم “كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ”.
(أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعني هؤلاء الذين أخبر الله عنهم أنهم يتلون آتاهم من الكتاب حق تلاوته يصدقون به وعلى تفسير أن المقصودين بذلك متبعي التوراة فإن في اتباعها اتباع محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه لأن التوراة تأمر أهلها بذلك وتخبرهم عن الله تعالى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) يعني ومن يكفر بالكتاب الذي أخبر انه يتلوه من أتاه من المؤمنين حق تلاوته ومعنى يكفر: يجحد ما فيه من فرائض الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ويبدله، فيحرف تأويله، أولئك هم الذين خسروا علمهم وعملهم فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله واستبدلوا بها سخط الله وغضبه.