(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) أخرج البخاري والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله، قالوا: يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه[1]، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم “ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت) يعني من العمل الصالح، وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر بالبقيع، فقال: السلام عليكم أهل القبور، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت فأجاته هاتف: يا ابن الخطاب، اخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفناه فقد خسرناه، ولقد أحسن القائل:
قدم لنفسك قبل موتك صالحا |
واعمل فليس إلى الخلود سبيل |
قوله تعالى (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
ومعنى هذه الآية، قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) أي اكاذيبهم، والأماني أيضا ما يتمناه الإنسان ويشتهيه يعني أنهم يتمنون على الله ما ليس لهم.
(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) البرهان هو الدليل الذي يوقع في النفس اليقين (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعني صادقين في إيمانكم أو في قولكم تدخلون الجنة أي بينوا ما قلتم بدليل.
قوله تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (بَلَى) هذا رد من الله عليهم وتكذيبا لهم، أي ليس كما تقولون أو إن كلمة (بلى) محمولة على المعنى، كأنه قيل “أما يدخل الجنة أحد؟ فقيل: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ومعنى “اسلم استسلم وخضع وأخلص عمله”، وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان ولأنه موضع الحواس، وفيه العز والذل، والعرب تخبر بالوجه عم جملة الشيء (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي مؤد لما أوجبه الله عليه وزيادة في المندوبات والسنن، (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) في الدنيا والآخرة (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) يعني في الآخرة جزاء عملهم في الدنيا.
قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). معنى هذه الآية أن كل فريق منهم ادعى أن صاحبه ليس على شيء، وانه أحق برحمة الله فيه (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) يعني التوراة والانجيل، والمراد بالذين لا يعلمون كفار العرب لأنهم الاكتاب لهم، وسبب نزول هذه الآية كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن نصارى نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقالت كل فرقة منهم للأخرى لستم على شيء.
[1] – أخرجه البخاري (6442).