قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

يعني لا أحد أكثر ظلما من الذين يمنعون مساجد الله حتى لا يعبد الله سبحانه ولا يكتفون بالمنع بل يسعون إلى خرابها، قال بعض المفسرين أن المراد بالمساجد هنا بيت المقدس ومحاريبه وقال بعضهم الكعبة لأنها قبلة المساجد ولذلك جمعت للتعظيم، والأصح أن المراد من منع كل مسجد إلى يوم القيامة لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع، وخراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بختنصر البابلي الذي استعان النصارى به بيت المقدس حينما غزى بني إسرائيل فقتلوا وحرقوا التوراة وقذفوا بيت المقدس وخربوه وقد يكون خراب المساجد بمنع الصلاة فيها كما منع المشركون المسلمين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها.

قوله تعالى (…أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

قيل إن هذه الآية نزلت في قريش عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

(لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) يعني الخزي في الدنيا على المشركين فتح مكة والعذاب في الأخرة لمن مات منهم كافرا.

قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، المشرق موضع الشروق، والمغرب موضع الغروب، أي هما له سبحانه وما بينهما من الجهات والمخلوقات، وخصهما بالذكر والإضافة إليه تشريفا نحو “بيت الله، وناقة الله.

وقد اختلف المفسرون على أقوال في سبب نزول هذه الآية وأرجح هذه الأقوال: أن اليهود كانت قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وقالوا: ما اهتدى إلا بنا، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فنزلت (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) فبين الله تعالى ان له سبحانه أن يتعبد عباده مما شاء فإن شاء أمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس وإن شاء أمرهم بالتوجه إلى الكعبة فلا حجر عليه سبحانه، ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.

(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) يعني أينما يوجهكم الله جهة المشرق أو المغرب فهناك قصد عبادة الله، وثم معناها هناك أو هنا مثل قوله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا).

(وَجْهُ اللَّهِ) أختلف العلماء في المراد بالوجه المضاف إلى الله تعالى في القرآن والسنة فمنهم من فسره بالوجود وعبر عن الوجود بالوجه لأن الوجه أطهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا، وبعضهم قال المراد بالوجه في هذه الآية (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) الجهة التي وجهنا إليها أي القبلة، وذهب بعضهم إلى أن المعنى رضا الله وثوابه كما قال تعالى (إنما نطعمكم لوجه الله) أي لرضائه وطلب ثوابه، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم “من بني مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة”[1].

(إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أي يوسع على عباده في دينهم ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم والواسع في اللغة هو الجواد الكريم الذي يسع عطاؤه كل شيء ومنه قوله تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء) وهو سبحانه واسع المغفرة لا يتعاظمه ذنب متفضل على عباده غني عن أعمالهم عليم يعني واسع العلم محيط بكل شيء سبحانه وتعالى.

قوله تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ).

(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) هذا إخبار عن النصارى في قولهم المسيح ابن الله وعن اليهود في قولهم عزير ابن الله، عن كفرة العرب في قولهم الملائكة بنات الله، وقد أخرج البخاري في صحيحة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال “قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، وشتمنى ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، واما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً”.

(سُبْحَانَهُ) سبحان معناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة من قولهم: اتخذ الله ولدا، بل هو الله تعالى واحد في ذاته، أحد في صفاته، لم يلد فيحتاج إلى صاحبة يقول تعالى (أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء) ولم يولد فيكون مسبوقا بخلق جل وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.

(بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي كل ذلك له ملك بالإيجاد والخلق ويدخل في ملك الله تعالى القائلون بأنه أتخذ ولدا.

(كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) أي كلهم له سبحانه (قَانِتُونَ) أي مطيعون وخاضعون، وهذا هو المعنى من القنوت المراد في هذه الآية.


[1] – أخرجه ابن ماجه (738).

Scroll to Top