(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) يعني اليهود (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) قيل المعنى وأحرص محذوف (أَحْرَصَ) من الذين اشركوا لمعرفتهم بذنوبهم، وألا خير لهم عند الله، وشركوا العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة ولا علم لهم من الآخرة.
(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) يتمنى كل واحد منهم قيل من اليهود أو من المشركين لو يطول عمره ألف سنة وخص الألف بالذكر لأنه نهاية العقد في الحساب عندهم، ومثل اليهود مشركي العرب المجوس، وذلك بين في ادعياتهم للعاطس حسب لغاتهم، بما معناه “عش الف سنة”.
(وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ) وما التعمير (أن يطول عمره ألف سنة) بمزحزحه من عذاب جهنم، ومعنى الزحزحه الإبعاد والتنحية، يقال: زحزحته أي باعدته فتزحزح أي تنحى وتباعد، يقول الشاعر:
يا قابض الروح من نفس اذا احتضرت |
وغافر الذنب زحزحني عن النار |
وقال آخر:
يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا |
وغافر الذنب زحزحني عن النار |
وروى النسائي عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام يوما في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفا”[1].
(وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة، ووصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور، والبصير في كلام العرب: العالم بالشيء، الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال.
قوله تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).
سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بني من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك قال “جبريل) قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك فأنزل الله هذه الآية: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) معناه فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف، ودلت الآية على شرف جبريل عليه السلام وذم معاديه، وقوله تعالى (بِإِذْنِ اللَّهِ) أي بإرادته وعلمه (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني التوراة وهدى وبشرى للمؤمنين.
قوله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).
(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) شرط وجوابه (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام وإعلان ان عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم، وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته، ومعادات أوليائه، وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه، وخص جبريل وميكائيل بالذكر تشريفا لهما ولأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما.
قول الله تعالى (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ).
سبب نزول هذه الآية كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان أحد أحبار اليهود يسمى أبن صوريا الفطيوني قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآية.
قوله تعالى (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
وسبب نزول هذه الآية أن أحد اليهود واسمه مالك بن الصيف كان قد قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد ولا ميثاق، فنزلت الآية وقيل كذلك في نزولها: إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمن معه على مشركي العرب فلما بعث كفروا به.
(نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) النبذ معناه الطرح والإلقاء ومنه النبيذ والمنبوذ قال الشاعر:
وخبرني من كنت أرسلت إنما |
أخذت كتابي معرضا بشمالكا |
|
نظرت إلى عنوانه فنبذته |
كنبذك نعلا أخلقت من فعالكا |
والفريق هم الجماعة الكثيرة ولذلك ختم الآية بقوله بل أكثرهم لا يؤمنون، أي أن أكثرهم استخفوا بالعهد فلم يعملوا به وتركوه وأعرضوا عنه.
[1] – أخرجه الترمذي (1622).