قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) هذا الخطاب موجه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود الذي كان بينهم، وهذا الخطاب استفهام فيه معنى الإنكار كانه – سبحانه – أيأسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود، أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي جماعة منهم، والمراد من الفريق السبعون الذين احقارهم موسى عليه السلام فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا امره مثلما قال تعالى (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) هم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة فيجعلون الحرام حلالا والحلال حراما اتباعا لأهوائهم (من بعد ما عقلوه) أي عرفوه وعلموه، فكيف تطمعون في إيمانهم وهؤلاء اليهود قد سلفت لآبائهم أفاعيل سوء وعناد وهؤلاء اليهود على سنة آبائهم، ودل هذا الكلام أيضا على أن العالم بالحق المعاند فيه بعيد عن الرشد لأنه علم الوعد والوعيد ولم ينهه ذلك عن عناده.

قوله تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا) وهذا في المنافقين وقد تقدم هذا في الكلام عن المنافقين في أول سورة البقرة، (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) نزلت في اليهود، وذلك أن أناسا منهم اسلموا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم، فقالت لهم اليهود (قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) أي حكم الله عليكم من العذاب ليقولوا نحن أكرم على الله منكم.

قوله تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) أي من اليهود، أي من لا يكتب ولا يقرأ والواحد أمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادة أمهاتها لم نتعلم الكتابة ولا القراءة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم “إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب”.

(لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) الأماني جمع أمنية ومن معانها التلاوة ومنه قوله تعالى (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) أي إذا تلا ألقي الشيطان في تلاوته (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) بمعنى الظن في هذه الآية هو الكذب أي يكذبون ويحدثون، لأنهم لا يعلم لهم بصحة ما يتلون وانما هم مقلدون لأحبارهم فيما يقرءون به.

قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ).

(فَوَيْلٌ) اختلف في معنى الويل فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبل من نار، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أن الويل واد في جهنم يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا ومن معاني الويل الهلكة، نقول يا ويلتي وقعت في هلكة ومنه قوله تعالى (يا ويلتنا ما لي هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).

(لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يكتبون الكتاب بأيديهم تأكيد فإنه قد علم أن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه) وقوله (يقولون بأفواههم) وفائدة التأكيد بقوله بأيديهم بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم وتفيد كذلك انهم كتبوه من تلقاء أنفسهم دون أن ينزل عليهم.

وفي هذه الآية التحذير من التبديل والزيادة في الشرع، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد والعذاب ألأليم.

(اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) وصف الله تعالى ما يأخذونه مقابل ما كتبوه بالقلة إما لفنائه وعدم ثباته، وأما لكونه حراما، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربوا عند الله.

(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) كرر الويل تغليظا لفعلهم من الكتابة المكذوبة المحرفة ومما يحصلون من هذه الكتابة مما يأكلون به وينفقون أو من المعاصي التي يرتكبونها.

Scroll to Top