القوم في اللغة جماعة الرجال دون النساء بدليل قوله تعالى (لا يسخر قوم من قوم) ثم قال (ولا نساء من نساء) وهذا هو الراجح في اللغة، وقد يقع القوم على الرجال والنساء قال تعالى (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) وكذا كل نبي مرسل إلى النساء والرجال جميعا، وإنما عبر بالقوم من باب التغليب، (يَا قَوْمِ) المراد هنا بالقوم عبدة العجل وكانت مخاطبة عليه السلام لهم بأمر من الله (إنكم ظلمتم أنفسكم) اصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه وجملة ظلمتم أنفسكم أو ظلمت نفسك تقال لكل من فعل فعلا يعود عليه ضرره أو بتعبير آخر اسأت إلى نفسك او اسأتكم إلى أنفسكم (باتخاذكم العجل) أي بعبادتكم العجل والذي عبدوه تمثال على شكل عجل والعجل هو ولد البقرة، بقوله تعالى (فأخرج لهم – أي السامري – عجلا جسدا له خوار – أي صوت يشبه صوت البقر لدخول الهواء فيه بقوة – فقالوا هذا الهكم وإله موسى فنسى – أي السامري – افلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا).
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم).
قوله تعالى (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ) البارئ الخالق وقيل بينهما فرق وذلك أن البارئ هو المبدع المحدث ومنه براءة الاختراع والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال، (خلق الموت والحياة).
ولما قال موسى لبني إسرائيل فتوبوا إلى بارئكم قالت بنو إسرائيل كيف: قال موسى بأمر من ربه (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) القتل معناه إماتة الحركة وقتلت الخمر، كسرت شدتها بالماء، ولما قال موسى لهم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) قاما صفين وقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا، فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبة للحي، (ذَلِكُمْ) قتلكم لأنفسكم خير لكم عند منشئكم وقد فعلتم (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أي تجاوز عن الباقين منكم (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الذي يقبل التوبة من عباده ويرحمهم.