قوله تعالى (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)

في بعض القراءات (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى) بغير ألف لأن المواعدة إنما تكون من البشر فأما الله عز وجل فإنما هو المنفرد بالوعد والوعيد لقول الله سبحانه (وعدكم وعد الحق) وقوله (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم) وقال بعض المفسرين: المواعدة اصلها من اثنين، وقد الفاعلة من واحد فقط في كلام العرب مثل قولهم داويت المريض، وعاقبت اللص، وقراءة (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى) أجود وأحسن وعليها جمع من القراء لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله عز وجل وعد ومن موسى قبول واتباع يجرى مجرى المواعدة.

قوله تعالى (مُوسَى) موسى اسم أعجمي، واقباط مصر على ما يروى يقولون للماء: مو وللشجر شا أو سا فلما وجد موسى في التابوت عند ماء وشجر سمي موسى، قال بعض المفسرين لما خافت عليه امه جعلته في التابوت وألقته في اليم يعني في النهر كما أمرها الله تعالى بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسيا امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه فسمى باسم المكان قال ابن إسحاق: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام.

قوله تعالى (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الاربعون في قول أكثر المفسرين ذو العقدة وعشر من ذي الحجة، وكان ذلك بعد أن حاوز موسى البحر، وسأل قومه أن يأتهم بكتاب من عند الله، فخرج إلى الطور في سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل، وصعدوا الجبل وواعدهم إلى قام أربعين ليلة، وغدوا فيما ذكر المفسرون عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا: قد اخلفنا موعده، فاتخذوا العجل وقال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى فاطمأنوا إلى قوله، ونهاهم هارون فلم يتبع هارون ولم يطعه في ترك عبادة العجل إلا اثنا عشر الفا فقط، وتهافت في عبادة العجل أكثرهم فلما رجع موسى ووجدهم على تلك الحال أحرق العجل وذراه في البحر، فشربوا من مائه حبا للعجل فظهرت على شفاههم صفرة وورمت بطونهم.

قوله تعالى (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) أي اتخذتموه غلها من بعد موسى وانتم حين اتخذتموه اصبحتم ظالمين لأنفسكم.

قوله تعالى (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) العفو محو الذنب أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم، (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد عبادتكم العجل (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كي تشكرون عفو الله عنكم، والشكر في اللغة الطهور، وحقيقة الشكر الثناء على الإنسان بمعروف يعطيك إياه، أما الشكر في جنب الله تعالى فهو الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب المعصية في السر والعلانية. قوله تعالى (وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) قلنا من قبل أن إذ اسم للوقت الماضي، وإذ اسم للوقت المستقبل (آَتَيْنَا) أعطينا الكتاب هنا هو التوراة بأجماع المفسرين، (وَالْفُرْقَانَ) في الراجح عند المفسرين هو نفس الكتاب التوراة اعدد ذكره باسمين تأكيدا والمعنى أتينا موسى الكتاب الفرقان والواو في اللغة قد تزاد في الوصف وفي معنى الفرقان الحجة والبيان (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لكي تهتدوا من الضلالة.

Scroll to Top