قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ).

(وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) العدل الفداء والعدل بكسر العين المثل يقال عدل وعديل للذي يماثلك في الوزن والقدر.

(وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي يعانون، والنصر معناه العون والانصار هم الاعوان ومنه قول الله تعالى (من انصاري إلى الله)، وكان سبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله واحباؤه وأبناء انبيائه وسيشفع لنا اباؤنا فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعات للكفار ولا يؤخذ فيه فدية، وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر لأنها هي المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا، فإن من وقع في الشدة لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينظر أو يفتدى.

قوله تعالى (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).

(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ) هذه الآية وما بعدها تذكير ببعض النعم التي كانت لله سبحانه على بني إسرائيل أي اذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوكم وجعل الأنبياء فيكم، والخطاب للموجودين والمراد من سلف من الإباء كما قال تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) أي حملنا أباءكم وإنما قيل: نجيناكم لأن نجاة الإباء كانت سببا لنجاة هؤلاء الموجودين ومعنى نجيناكم القيناكم على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها هذا هو أصلها في اللغة ثم سمى كل من خرج من ضيق على سعة ناجيا.

(مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ) آل فرعون قومة واتباعه واهل دينه، ودليل ذلك قوله تعالى (واغرقنا آل فرعون) وقوله تعالى (ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) أي آل دينه، إذ لم يكن لفرعون ابن ولا بنت ولا اب ولا عم ولا أخ ولا عصبه، وفرعون قيل أنه اسم ذلك الملك بعينه وقيل انه اسم كل ملك من ملوك العمالقة مثل كسرى للفرس وقيصر للروم والنجاشي للحبشة وقيل كل من ولى القبط ومصر فهو فرعون، وكل عاتٍ فرعون والعتاة الفراعنة ويقال: تفرعن وهو ذو فرعنه أي دهاء ومكر.

(يَسُومُونَكُمْ) يدعون تعذيبكم والسوم الدوام ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي (سوء العذاب) معناه أشد العذاب، وروى أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وصنفهم في أعمال وصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون وصنف يخدمون فذلك سوء العذاب.

قوله تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) بالتشديد يعني يكثرون فيكم الذبح، ومعنى الذبح في اللغة، الشق، ومنه وصف الذباح وهو تشقق في أصول الأصابع، فكان فرعون يذبح الأطفال ويبقي البنات وعبر عنهم باسم النساء باعتبار المال، ويستحي يعني يبقي وهو من الاحياء بمعنى البقاء وليس من الحياء بمعنى الخجل.

قوله تعالى (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) يعني في فعل آل فرعون ذلك بكم بلاء، أي امتحان واختبار، والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا ومنه قوله تعالى (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) وأصل البلاء المحنة، والله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره.

قوله تعالى (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) يعني اذكروا إذ فرقنا: أي فلقنا، فكان كل فرق كالطود العظيم أي الجبل، وأصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر، ومنه الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل أي يفصل بينهما ومنه قوله تعالى (فالفارقات فرقا) يعني الملائكة تنزل بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى (يوم الفرقان) يعني يوم بدر كان فيه فرق بين الحق والباطل.

وقوله (بِكُمُ) أي فرقنا البحر بدخولكم إياه أي صاروا بين الماءين مضار الفرق بهم، قوله (البحر) البحر معروف سمى بذلك لاتساعه، يقال فرس بحر إذا كان واسع الجري أي كثير الجري، والبحر: الماء المالح ويقال: أبحر الماء أي ملح.

قوله (فَأَنْجَيْنَاكُمْ) أي اخرجناكم منه وأغرقنا آل فرعون، (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إلى مهلكهم بأبصاركم ويقال: أن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون وإلى أنفسهم ينجون ففي هذا أعظم منه.

Scroll to Top