معنى هذه الآية: إن هذا الذي أنبأتك به يا محمد من أمر عيسى، فقصصته عليك من أنبائه، ومعنى القصص بفتح القاف والصاد اسم لما يقصّ يقال: قصّ الخبر قصاً إذا أخبر به، والقصّ إخبار بخبر فيه طول وتفصيل يقول تعالى في سورة يوسف: (نحن نقص عليك أحسن القصص..)، فالله – سبحانه – قص بالتفصيل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بعيسى وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وهذا كله هو القصص والنبأ الحق فاعلم يا محمد هذا.
قوله: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ) يعني واعلم يا محمد كذلك أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده وهو الله سبحانه وتعالى.
قوله: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في هذه العبارة من الآية تأكيد وتقوية الخبر عن الله تعالى بالعزة والتدبير، وقوله (الْعَزِيزُ) يعني العزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره وادّعى معه إلهاً غيره، أو عبد ربًا سواه. وقوله: (الْحَكِيمُ) في تدبيره ووضعه الشيء في المكان اللائق به فلا يدخل ما دبره ووضعه وهن ولا يلحقه خلل.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ).
قوله:( فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعني فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما آتاك الله من الهدى والبيان فأعرضوا عنه ولم يقبلوه. قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) يعني فإنّ الله ذو علم بالذين يعصون ربهم، ويعملون في أرضه بما نهاهم عنه، وذلك هو إفسادهم، فهو سبحانه عالم بهم وبأعمالهم يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
هذه الآية ليست مثل آية المباهلة التي سبقت، وإنما هي مناداة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى وسموا بأهل الكتاب يعني أهل التوراة والإنجيل، يعني قل يا محمد لأهل الكتاب: (تَعَالَوْا) يعني أقبلوا (إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) يعني إلى كلمة عدل بيننا وبينكم، والكلمة العدل المنصفة هي: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا)، يعني أن نوحد الله فلا نعبد غيره ونبرأ من كل معبود سواه، فلا نشرك به شيئاً، وقوله: (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي الله، ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه، كما قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً. قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) يعني فإن أعرض الذين تدعونهم إلى كلمة سواء، فقولوا أنتم لهم: اشهدوا علينا بأنا مسلمون يعني خاضعون لله، متذللون له بالإقرار بقلوبنا وألسنتنا، وأنّه الإله الذي لا شريك له وأخلصنا العبودية له.

