يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار).

قوله (إن الذين كفروا) إن الذين جحدوا الحق الذي قد عرفوه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم ومنافقي العرب وكفارهم، الذين في قلوبهم زيغ فهم يتبعون من كتاب الله المتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

قوله (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) يعني ذلك أن أموالهم وأولادهم لن تنجيهم من عقوبة الله إن أوقعها عليهم عاجلا في الدنيا على تكذيبهم بالحق، واتباعهم المتشابه طلب اللبس فلا الأموال ولا الأولاد تدفع العقوبة عنهم، ولا يغنى ذلك عنهم منها شيئا، قوله (وأولئك هم وقود النار) يعني وهم في الآخرة (وقود النار) يعني بذلك حطبها.

ثم يقول تعالى بعد ذلك (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب).

يعني جل وعلا بهذه الآية: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا عند حلول عقوبتنا بهم كشأن وفعل آل فرون وعادتهم (كدأب آل فرعون) واصل الدأب من دأبت في الأمر دأبا إذا ادمنت العمل والتعب فيه ثم استعمل في معنى الشأن والأمر والعادة يقال كدأبك يعني كشأنك وفعلك يقال هذا دأبي ودأبك أبدا يعني به: فعلى وفعلك وأمري وأمرك وشأني وشأنك والذين من قبل فرعون من الأمم الذين كذبوا بآياتنا.

وقوله (فأخذهم الله بذنوبهم) يعني فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا فلن تغني عنهم أموالاهم ولا أولادهم من الله شيئا حين جاءهم بأسنا كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل آل فرعون: من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.

قوله (والله شديد العقاب) يعني والله شديد عقابه لمن كفر به وكذب رسله بعد قيام الحجة عليه.

ثم قال تعالى بعد ذلك (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد). يعني جل وعلا: قل يا محمد للذين كفروا من يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آيات الكتاب الذي أنزلته إليك ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله: ستغلبون وتنهزمون وتحشرون أي تجمعون يوم القيامة فتجلبون إلى جهنم وبئس المهاد، وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها ومعنى المهاد الفراش وسبب هذه الآية والتي بعدها كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر، فقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال “يا معشر اليهود اسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك، إنك قتلت نفرا من قريش لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تأت مثلنا، فأنزل الله هذه الآية والآية التي بعدها إلى قوله (إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) [1]والتي سنفسرها في الدرس القادم إن شاء الله.


[1] -أخرجه أبو داود فى سننه (3001).

Scroll to Top