هذه الآية ذكرها الله تعالى في الحث والتحريض على القتال، وهي قصة جرت في بني إسرائيل والملأ هم الاشراف وعلية القوم، قوله (مِنْ بَعْدِ مُوسَى) أي بعد وفاته، قوله (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) هو نبي من انبياء بني إسرائيل قيل اسمه شمعون أو سمعون وسبب طلبهم هذا ما نالهم من ذلة وغلبة عدو لأنهم غلبوا من العمالقة بقيادة جالوت فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يؤمروا به فلما أمروا بالجهاد جبن أكثرهم وصبر القليل منهم فنصرهم الله، قوله (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأن عادة بني إسرائيل أنهم يقاتلون بقيادة ملك يختاره نبيهم، قوله (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) يعني قال لهم نبيهم هل انتم تعدون إذا فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا يعني أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم من الجهاد في سبيله لأنهم أهل غدر وقلة وفاء ونكث للعهد، وتكونون قريبا من التولي والفرار كما تعودتم.
قوله (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)، أي وما منعنا ألا نقاتل في سبيل الله ونحن اخرجنا من ديارنا وكذلك أولادنا يعني اخرج ممن غلب عليه من الرجال والنساء والأولاد من الأسرى.
قوله (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) يعني فلما فرض عليهم قتال عدوهم والجهاد في سبيل الله (تولوا) يعني ادبروا مولين عن القتال، وضيعوا ما سألو نبيهم من فرض الجهاد، والقليل الذين استثناهم الله منهم، قوله (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) يعني والله ذو علم عن ظلم نفسه منهم فاخلف ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فيما سأله ابتداء أن يوجبه عليه، وهذا من الله تعالى تقريع لليهود الذين كانوا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في تكذيبهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ومخالفتهم أمر ربهم.
يقول الله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
قوله (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) أي أجابكم ربكم إلى ما سألتم وكان طالوت سقاء وقيل دباغا وكان من العلماء وكان من سبط بنيامين ولم يكن من مسبط النبوة ولا من سبط الملك.
قوله (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا) أي كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه، جروا على عادتهم في انحرافهم عن أمر الله وكلمة (أَنَّى) فقال للجهة يعني أن طالوت ليس من جهة الملوك ولا جهة النبوة ولا جهة الغنى فكيف يكون ملكا علينا ونسوا السب الأقوى وهو قدرة الله تعالى، قوله (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) أي اختاره وهو الحجة القاطعة وبين لهم نبيهم مع ذلك تعليل اختياري الله لطالوت وهو بسطته في العلم الذي هو ملاك الإنسان والجسم الذي هو يعينه في الحرب وعدته عند لقاء العدو، قوله (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) يعني أن الملك لله وبيده دون غيره يعطيه من يشاء من خلقه فلا تتخيروا على الله، قوله وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) يعني أن فضل الله واسع فينعم به على من أحب ويعطيه من يشاء وهو سبحانه عليم بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه وفضله الذي يعطيه.
يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قوله (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) هؤلاء النفر من بني إسرائيل اعترضوا على نبيهم حينما اخبرهم أن الله قد جعل عليهم طالوت ملكا وطلبوا منه بينة ودليلا على اختيار الله لطالوت ملكا عليهم، فقال لهم نبيهم إن دليل وبينة ملكة أن يأتيكم التابوت، والتابوت كان عند بني إسرائيل كانوا يغلبون به اعداءهم حتى عصوا فقلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة جالوت واصحابه وسلبوا التابوت منهم، فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال: دعا ربه فنزل بالقوم الذين اخذوا التابوت مرض وأوجاع شديدة، فلما عظم بلاؤهم قالوا: إن هذه الامراض والأوجاع بسبب التابوت فلنرده إلى بني إسرائيل فوضعوه على عجلة بين ثورين وارسلوهما إلى بلاد بني إسرائيل، وبعث الله ملائكة تسوق هذين الثورين حتى دخلتا على بني إسرائيل وهم يتجادلون في أمر طالوت فتيقنوا بالنصر، وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية.
قوله (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) السكينة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة وفيه في التابوت سكينة أي هو سبب سكون قلوبكم فلما اختلفتم فيه من أمر طالوت ومثله قوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه) أي أنزل عليه ما سكن به قلبه.
(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ) يعني في التابوت الذي كانوا معهم في الحروب بقايا من الألواح التي فيها التوراة وفيه كذلك عصا موسى وثياب هارون، ومعنى هذا ما روى من أن موسى عليه السلام لما جاء إلى قومه بالألواح المكتوب فيها التوراة فوجدهم قد عبدوا العجل ألقى الألواح غضبا فتكسرت فنزع منها ما كان صحيحا وأخذ ما تكسر من أجزاء فجعله في التابوت وكان هذا التابوت عند آل موسى يعني قرابته وآل هارون وتدرج حفظ هذا التابوت من قوم إلى قوم وكلهم آل موسى وآل هارون. قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني أن نبي الله شمويل أو شمعون قال لبني إسرائيل إن في مجيء التابوت اليكم فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة لآية لكم يعني لعلامة لكم ودلالة أيها الناس على صدقي فيما أخبرتكم أن الله بعث لكم طالوت ملكا إن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم واتهمتموني في اخباركم بذلك (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني بذلك إن كنتم مصدقين لي عند مجيء الآية الي هي التابوت التي سألتموني على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه.


