يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

سبب نزول هذه الآية أن احد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه كناز بن خصين الغنوي ويكنى بابي مرثد الغنوي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة سرا ليخرج رجلا من أصحابه، وكانت له بمكة امرأة يجمعها في الجاهلية يقال لها “عناق” فجادته فقال لها: إن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية، قالت: فتزوجني، قال: حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها لأنه كان مسلما وهي مشركة.

واختلف المفسرون في هذه الآية هل نزلت مرادا بها كل مشركة أم مرادا بحكمها بعض المشركات دون بعض؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيء أم لا، فقال بعضهم: نزلت مرادا بها تحريم نكاح كل مشركة على كل مسلم، من أي أجناس الشرك كانت، عابدة وثن، أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك، ثم نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله تعالى في سورة المائدة (….وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).

قوله (وَلَا تَنْكِحُوا) أصل النكاح الجماع ويستعمل في التزوج يعني لا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن بالله ويسلمن.

قوله (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) يخبر الله جل وعلا أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال والحسن والجمال وغير ذلك.

قوله (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) يعني لا تزوجوا المسلمة من المشرك حتى يؤمن ويسلم (ولعبد مؤمن) أي مملوك خير من (مُشْرِكٍ) أي حسيب نسيب ذي مال وجاه وغير ذلك (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) أي حسبه وماله.

وللإمام القرطبي المفسر قول لطيف في مسألة (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) أي مرأة مؤمنة ورجل مؤمن، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله” ولقوله تعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم “كل رجالكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله”، قوله (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) هؤلاء من رجال أهل الشرك ونسائهم يدعونكم إلى النار يعني يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار فإن صحبتهم ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل، قوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) يعني يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار، ويدعوكم إلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم فيعفوا عنها ويسترها عليكم (بِإِذْنِهِ) أي بأمره لكم وإعلامه إياكم سبيله وطريقه، قوله (وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي وتوضح حججه وأدلته في كتابه لتتذكروا فتعتبرون وتميزون بين الأمرين من يدعوكم إلى النار ومن يدعوكم إلى الجنة وغفران الذنوب.

يقول الله تعالى في سورة البقرة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

قوله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) السائلون هنا بعض الصحابة، وسبب السؤال: أن العرب في المدينة وما حولها كانوا قد اخذوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها فنزلت هذه الآية، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “اصنعوا كل شيء إلا النكاح”[1].

(عَنِ الْمَحِيضِ) المحيض المرأة الحائض والمحيض مأخوذ من الحيض، واصل كلمة الحيض في اللغة السيلان والانفجار، يقال: حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ومن هذه الكلمة اشتق الحوض لان الماء يحيض إليه أي يسيل، والمرأة يسيل منها الدم في أوقات معلومة وهي مدة الحيض على سبيل الصحة وليس المرض، وهو دم عادة وخلقة، والحيض علامة على بلوغ الفتاة مبلغ النساء.

قل: هو اذى، يعني قل لهم يا محمد هو أذى، أي ان الدم الذي يسيل من المرأة تتأذى به المرأة وغيرها من رزية الدم ورائحته، وكله أذى كناية عن القذر في الجملة.

قوله (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) أي في مدة الحيض في المحل الخارج منه الحيض، ومقصود هذا النهي ترك المجامعة.

قوله (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) يعني لا تجامعوهن لأنه إذا قيل لا تقرب “بفتح الراء” كان معناه لا تلبس بالفعل، فران كان بضم الراء كان معناه: لا تدن منه.

حتى يغسلن بالماء وهذا هو الراجح عند الفقهاء، واجمع الفقهاء على أن حراما على الرجل أن يقترب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر، وإنما الخلاف في الطهر ما هو، فقال قوم هو الاغتسال بالماء وهو الراجح، وقال قوم هو الوضوء كوضوء الصلاة، وقال قوم هو غسل الفرج وذلك يحلها لزوجها وأبد لم تغتسل من الحيض والراجح هو الاغتسال.

قوله (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني بالماء وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء وأن الطهر الذي تحل به جماع الحائض الذي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء كطهر الجنب ولا يجزى التيمم.

قوله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أي فجامعوهن وهو أمر إباحة (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) وهو القبل.

قوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي يحب الله التوابين من الذنوب والشرك، ويحب المتطهرين أي بالماء من الجنابة والحيض وغيرهما من الأحداث.

يقول الله تعالى في سورة البقرة (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

تعددت الروايات عن سبب نزول هذه الآية واتحدت في مقصدها فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى رجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت هذه الآية (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).

وروى البخاري في صحيحه عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فقرأ الفرج، فهذا ان الحديثان وغيرهما من الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضوع الحرث، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام أو مستلقية أو باركة أو مضطجعه أو على جنب شرط أن يكون في الحرث.

قوله (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) زوجاتكم حرث، الأصل في الحرث يكون في الأرض، وهو هنا تشبيه لأن الزوجات مزدرع الذرية، ولفظ الحرث يغطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع محل الزرع للذرية، يقول الشاعر:

إنما الارحام ارضون لنا محرثات

فعلينا الزرع فيها

وعلى الله النبات

ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحرث.

قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فجامعوا زوجاتكم من الحرث وهو الفرج أنى شئتم يعني: من أي وجه شئتم مقبلة أو مدبرة (وأتى) تجيء سؤالا وإخبار عن أمر له جهات، فهو لفظ أعم في اللغة من كيف ومن اين ومن متى، فشمل متى يأتي الزوج زوجته فنقول في الليل أو في النهار ما عدا نهار رمضان  وتقول من أين يأتي الزوج زوجته فنقول من فرجها موضع الحرث، ونقول: كيف يأتي الزوج زوجته فنقول من أي جهة كانت مقبلة أو مدبرة أو مستلقية أو مضطجعة أو على جنب أو منكبة على وجهها كهيئة السجود وكل هذه الأوضاع جائزة ما دام الوطء والجماع في موضع الحرث.

قوله تعالى (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي قدموا ما ينفعكم غدا عند الله وهو مثل قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح وابتغاء الولد والنسل من خيري الدنيا والآخرة وقد يكون شفيعا لوالديه إلى الجنة ولذا يسن عند الجماع ذكر الله كما قال عليه الصلاة والسلام “لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب ما رزقتنا فإنه إن يقدر ولد لم يضره شيطان أبدا”.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ) هذا في موضع التحذير (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ) هذا خبر يقتض المبالغة في التحذير أي فهو سبحانه مجازيكم على البر والإثم يوم القيامة (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) تأنيس الفاعل البر ومبتغى الهدى في جميع أموره.


[1] – أخرجه مسلم (302).

Scroll to Top