يقول الله تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) أي لكل أهل ملةٍ ودين (وِجْهَةٌ) أي قبلة يتجهون نحوها إما بحق وإما بهوى.

(هُوَ مُوَلِّيهَا) أي صاحب الملة أو الدين متجه وجهه ونفسه إليها، وقيل يحتمل أن يكون (هُوَ) ضمير عائد على اسم الله عز وجل، أي: لكل صاحب فلة قبلة الله موليها إياه، وسميت القبلة هنا وجهة من الوجه والاتجاه نعني يتوجه بوجهه إليها في صلاته (مُوَلِّيهَا) يعني مقبل عليها بوجهه ومنه تولاه أقبل عليه وانصرف عن غيره، ووليت عنه إذا أدبرت عنه وقيل لكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد سواء إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة قبلة الله عز وجل موليها عباده.

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) أي بادروا وسارعوا من الاستباق وهو المبادرة والإسراع والخيرات يعني جميع الطاعات على وجه العموم وإن كان سياق الآية يتضمن المبادرة والإسراع إلى أمر الله من استقبال البيت الحرام، والمعنى قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم فبادروا بالأعمال الصالحة شكر لربكم وحافظوا على قبلتكم ولا تضيعوها.

(أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) يعني يوم القيامة، حض الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزود في الدنيا للآخرة وبين لهم أنه جل وعلا يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة من حيث كنتم من بقاع الأرض حتى يوفى المحسن منكم جزاءه بإحسان والمسيء عقابة بإساءته أو يتفضل فيصفح (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني أن الله تعالى على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم من حيث كنتم وعلى غير ذلك مما يشاء قدير.

يقول الله تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت فول وجهك شطر المسجد الحرام حول وجهك يا محمد صوب ونحو الكعبة.

(وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي إن التوجه نحو الكعبة هو الحق الذي لا شك فيه من عند ربك فحافظوا عليه واطيعوا الله في توجهكم نحو الكعبة.

يقول تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

أكد الله سبحانه وتعالى الأمر باستقبال الكعبة والاهتمام بها في الآيتين السابقتين لأن تحويل القبلة كان صعبا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه وقيل أراد في الآية الأولى ول وجهك صوب الكعبة إذا عاينت الكعبة، وأراد في الآية الثانية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) يعني وجوب الاستقبال في الاسفار، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ) يعني يا معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها اتجهوا بوجوهكم صوب الكعبة.

(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) يعني حتى لا يقول لكم الناس والمقصود بالناس اليهود والنصارى ومشركوا العرب حتى لا يقولون لكم: قد امرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها، فلما قال عز وجل (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ).

(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يعني الا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول: مالك علي حجة إلا الظلم أو إلا تظلمني أي ليس لك حجة أبدا ولكنك تظلمني، فسمى ظلمة حجة لأن المحتج به سماه حجة وإن كانت داحضة، وقيل المراد بالذين ظلموا منهم، كفار العرب من قريش عندما قالوا: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله، ويدخل في ذلك كل من تكلم في هذه النازلة من غير اليهود.

(فَلَا تَخْشَوْهُمْ) يعني هؤلاء الناس (وَاخْشَوْنِي) الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقى ومعنى الآية التحقير لكل من سوى الله تعالى، والأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى.

(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) وإتمام النعمة هنا الهداية إلى القبلة وقيل إتمام النعمة دخول الجنة (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يعني ولكي ترشدوا للصواب من القبلة.

يقول الله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

هذه الآية الكريمة متعلقة بالآية السابقة (….وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يعني مثلما أتمت عليكم نعمة الأهتداء إلى القبلة كما أتمت عليكم نعمتي من قبل باستجابة دعوة خليل إبراهيم التي دعاني بها ومسألته التي سألني إياها فقال (ربنا وأبعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم أنك أنت العزيز الحكيم) فبعثت منكم رسولي محمدا صلى الله عليه وسلم.

وكما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعني بذلك ذرية إبراهيم عليه السلام وقيل يعني العرب خاصة.

(يتلوا عليكم آياتنا) يعني آيات القرآن، و(يزكيكم) يعني يطهركم من الذنوب والآثام (ويعلمكم الكتاب) يعني يعلمهم أحكام القرآن (والحكمة) يعني السنن والفقه في الدين.

(ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) أي يعلمكم من أخبار الأنبياء وقصص الأمم السابقة والأخبار عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

Scroll to Top