الجواب: للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نبين حقيقة الربا وحقيقة الربح الحلال وضابط التفرقة بين الحلال والحرام.
وحقيقة الربا كما بيناه في جواب السؤال الأول هو ربا الديون الذي كان شائعا في الجاهلية ويتعامل به اغنياء العرب واليهود وسائر الأمم، وربا الديون باتفاق الفقهاء هو كل زيادة مشروطة على أصل الدين من عوض يقابلها سوى الأجل، وآيات الربا في سورة البقرة مع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وردت عامة مطلقة لا تفرق في التحريم بين مدين ومدين ولا بين دين ودين، وأيا كان سبب الدين أو القرض الذي يستخدم فيه، وذلك ثابت تفصيلا بأدلته في كتب الفقه والحديث وهو ما أجمع عليه علماء المسلمين المجتهدين الأوائل فعلة الربا إذن أنه زيادة متولدة من دين، ويتميز الدين بأنه ثابت في الذمة مضمون الرد بمثله.
وحقيقة الربح الحلال انه متولد من بيع، وذلك مستفاد من الآية الكريمة (وأحل الله الربيع..) أي الربح الناتج عنه، لأنه المقابل لتحريم الربا المتولد من الدين.
ويتفق الفقهاء على أن خصوصية البيع التي استوجبت حل الربح أنه مبادلة بين شيئين مختلفي المنافع والربح الناتج عنه احتمالي فقد يربح وقد لا يربح وقد يخسر وقد يربح قليلا أو كثيرا بجانب أن البائع يقوم بجهد وعمل كثير وجلب السلعة وصيانتها وما يتبعه ذلك من نفقات إلى جانب تعرضه لمخاطر عديدة تتمثل في تلف السلعة أو هلاكها كلية وانخفاض سعرها أو كسادها فلا تباع أصلا، وكل ذلك ينصرف إلى التجارة من باب أولى.
ويستفاد من علة وخصائص كل من ربا الدين المحرم وربح البيع الحلال وجود ضابط لا يتخلف ابدا للتفرق بين الأمرين هو أن أي معاملة كانت وأيا كان مسماها إذا كان رأس المال ثابت في ذمة أحد الطرفين ومضمون الرد بمثله كان رأس المال دينا وكان صاحبه دائنا والطرف الآخر مدينا، واي زيادة على رأس المال تعتبر ربا محرما، وإذا كان الطرف الآخر أمينا على مال صاحبه غير ضامن له لو هلك أو خسر وتقاسما معا الربح قل أو كثر كانت العملية شركة مشروعة وكانت الزيادة على رأس المال ربحا حلالا.
والفوائد المصرفية هي في اصطلاح المصرفيين والاقتصاديين مقدار مضاف إلى رأس المال (القرض) نتيجة وجود فائض لدى البعض من جانب واحتياج لدى البعض الآخر للمال أيا كان سبب احتياجه فيقوم المالك بتحويل الفائض إلى المحتاج ليستفيد به فترة من الزمن يرده بعدها مضافا إليه مبلغا محددا من المال، وهذه العملية تسمى القرض أو الائتمان والمقدار المضاف إلى رأس المال يسمى فائدة.
والفائدة المصرفية لا تقوم إلا بمناسبة عقد القرض وترتبط بنموذج معين من التعامل هو الائتمان، ومفهوم الائتمان هو الإقراض إلى أجل وأهم سلعة لعملية الائتمان هي النقود وثمن النقود هو الفائدة والنظريات الاقتصادية العديدة لتبرير الفائدة تلتقي على أن الفائدة ثمن أو أجرة النقود كأي سلعة أخرى مقابل الأجل أو الانتظار وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن ثمة مضار رهيبة اقتصادية واجتماعية وسياسية لنظام الفائدة وهذه المضار محلية وعالمية وهي سمة النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكل البنوك داخليا وخارجيا عموده الأساسي، كما يسلمون بأن الفائدة ربا غير أنها تخفيف للربا في أبسط مظاهره، وأنها أمر لابد منه لإدارة السياسة المالية لأي دولة رغم تسليمهم لآثارها الهائلة.
والقول بتحريم الفوائد المصرفية من أن العلاقة بين المصرف وبين المدخرين أو المحتاجين من أصحاب الأموال هي علاقة مداينة لا مشاركة وأن الفائدة المحددة ليست جزءا من الربح ولا صلة لها به، وبتطبيق القواعد الشرعية لربا الدين المحرم وربح الحلال يتأكد أن الفائدة المصرفية عن ربا الديون المحرم، وأن المضار الرهيبة لهذا النظام إلى جانب آراء الاقتصاديين أنفسهم تؤكد أنه نظام ربوي كما تؤكد حكمة التشريع الإسلامي في تحريم الربا ويزيد الأمر تأكيدا اجماع العلماء على ربوية اقراض البنوك للمحتاجين من أصحاب الأعمال.