حرمة الربا من المسلمات والثوابت في ديننا واسلامنا.. ما هو الربا.. وأين تكمن علة التحريم؟

الجواب اتفق معكم في أن حرمة الربا من المسلمات والثوابت في ديننا واسلامنا فقد ورد تحريم الربا في القرآن والسنة وأجمع على تحريمه السلف الصالح والعلماء المجتهدون من بعدهم، وتضافرت القرون حقبة بعد حقبة على ذلك الاجماع، وتحريم الربا بالنصوص القرآنية واضح في ثلاثة مواضع.

أولها: ما جاء في سورة الروم المكية والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة بين ظهراني المشركين فقد قال تعالى (وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).

وهذا النص يفيد استنكار المولى جلت قدرته وعلت حكمته للربا، وتحسينه للزكاة والبر وهذا يدل على التحريم بتضمنه وإن لم تكن الدلالة صريحة قاطعة.

ثانيها: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة، واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي اعدت للكافرين واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون).

وفي هذه الآية تصريح قاطع بالتحريم، وبيان لقبح الربا وما فيه من ظلم شديد فإنه يؤدي إلى أن يأخذ الدائن الدين اضعافا مضاعفة، والقرآن الكريم في نهيه يصف النهي عنه بأشنع أحواله وأشد ما يؤدي إليه لتنفر النفس المستقيمة عنه، وتبتعد القلوب العادلة عن مزاولته.

ثالثها: قول الله تعالى في سورة البقرة (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأدنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون).

وفي هذا النص القرآني تحريم قاطع للربا لا مجال للريب فيه، وقد اقترن التحريم بثلاثة أمور في هذه الآيات الكريمات.

الأمر الأول: أن المشركين كانوا يحتجون في تسويغ الربا بأن الكسب فيه كالكسب في البيع فكما أن الرجل يبيع ويشتري فيكتسب من فروق الثمن في البيع والشراء فكذلك يدفع لغيره المال، فيبيع ويشترى فيكتسب أو يشاركه في الكسب وإن لم يتعرض للخسارة، ومن جهة ثانية فإن الربا كالبيع عند المشركين من حيث أنه يبيع مؤجلا بثمن وحالا بثمن فكذلك يجوز له أن يقبض الدين بعد الأجل أكثر مما أدى.

الأمر الثاني: أن النهي عن الربا اقترن بالأمر بالصلاة والزكاة اشعارا بأن النهي عنه يعتبر مماثلا للأمر بركنين مهمين من أركان الإسلام، وأن من ينكره فقد أنكر أمرا عرف من الدين بالضرورة، وأن منع الربا ركن ركين في الاقتصاد الإسلامي، ولذا قرن النهي أيضا ببيان ان من يبيح الربا هو في حرب مع الله.

الأمر الثالث: أن هذه الآية الكريمة حدت الربا المحرم بأنه ما يزيد على رأس المال، فكل زيادة مهما قلت ربا وكسب خبيث ولذا قال سبحانه (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).

وهذه الآيات من آخر آيات القرآن نزولا، حتى قال بعض الذين تكلموا في أسباب النزول أنها نزلت قبل وفات الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.

أما بقية السؤال عن ما هو الربا وأين تكمن علة التحريم؟

فالربا في اللغة: الفضل والزيادة، يقال ربا الشيء يربو إذا زاد وأربى الرجل دخل في الربا والربا في عرف الشرع شيئان: تحريم النساء والتفاضل في العقود والمطعومات، وغالبه ما كانت العرب تفعله من قولها للغريم: اتقضى أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه.

ومن هذا تبين أن كلمة الربا لها مدلول لغوي عند العرب كانوا يتعاملون به ويتعارفونه، وان هذا المدلول هو زيادة الدين في نظير الاجل وان النص القرآني قد ورد بتحريم ذلك النوع وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: الربا الجاهلي، فليس لأي إنسان فقيه أو غير فقيه أن يدعي ابهاما في هذا المعنى اللغوي أو عدم تعيين المعنى تعيينا صادقا، فإن اللغة عينته والقرآن الكريم عينه بقوله سبحانه (وإن تبتم فلوكم رؤوس اموالكم) وهو الذي اتفق العلماء بتسميته الربا الجلي، وهذا الربا الجلي وهو ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلا من الاجل فأبطله الله تعالى وحرمه.

وعلة تحريم الربا هي أن الربا ظلم والله سبحانه وتعالى حرم الظلم والسر في كون الربا ظلما أنه المرابي يأخذ مال الإنسان بغير عوض فهو عبارة عن فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال، والربا فيه غبن فمن أسباب تحريم التفاضل في الأصناف الربوية أنه إذا بيع الصنف بجنسه يكون هناك غبن، ومعرفة الفروق بين أصناف النوع الواحد يجهلها كثير من الناس والربا مضاد لمنهج الله، فإن الإسلام أقام المجتمع الإسلامي على أساس من التآزر والتعاون والتراحم، وكل ذلك نابع من العقيدة التي غرسها الإسلام في أعماقهم، وفي سبيل تحقيق المجتمع المتراحم المتآخي شرع الإسلام كل ما يقوى هذه الروابط من بر الوالدين وصلة الارحام والإحسان إلى الجار والإحسان إلى اليتيم والفقير والمسكين وحرم كل ما من شأنه أن يفسد رابطة الأخوة ويذهب الرحمة والمودة ولذلك نجد النصوص المرهبة من الربا والمحرمة التي مرت في سورة البقرة مسبوقة بآيات كثيرة تأمر بالإنفاق وتحث عليه وتحبب العطاء والبذل، وحسبنا أن الله حرمه بالنص ولا يجب أن تكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة الربا وإن كنا لا نعلم الوجه فيه.

Scroll to Top