إإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستزيد من فضله وإحسانه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وصلي وسلم على خير رسله وأنبيائه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد.
فاني أكشر القائمين على الجمعية الخيرية في دعوتهم وتنظيمهم للندوة الأولى لتوصيف العمل الخيري في مصارف الزكاة، راجيا أن يسدد الله خطاهم وأن يبارك لهم في جهدهم ووقتهم، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء.
كما أشكر القائمين على مركز الشباب الثقافي والاجتماعي الاستفادة من هذه الندوة بتنظيم هذه المحاضرات واللقاءات المفيدة، راجيا أن يوفق الله القائمين على هذا المركز إلى ما يحبه ويرضاه.
أيها الأخوة الفضلاء:
فإن الفرد هو نواة المجتمع، فإذا صلح الافراد صلح المجتمع كله، وفي بيان أوجه التكافل والتراحم في فريضة الزكاة والآثار الاجتماعية لها نبدأ بالآثار الفردية للزكاة أولا، ثم نبين مظاهر وأوجه التكافل والتراحم الاجتماعي.
1 – ايتاء الزكاة فيه امتثال لأمر الله ورسوله، ولا يكون المسلم مسلما إلا إذا امتثل لأوامر الله جميعا فأدى فرائضه وامتنع عن نواهيه.
وايتاء الزكاة فيه برهان على إيمان صاحب المال كما جاء في الحديث “والصدقة برهان” ذلك لأن هناك أموالا تستحق عليها الزكاة لا يعلمها بعد الله سبحانه وتعالى إلا صاحبها، وفي ايتاء الزكاة من هذا المال تطهير للنفس من دنس الذنوب بقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..).
والزكاة تؤدي كذلك إلى المودة بين الناس لأن فيها إحسانا، والناس يحبون من يحسن إليهم، ورب دعاء من فقير أو مسكين أو ذي حاجة لصاحب المال يستجيب الله لها فتكون خيرا على صاحب المال في ماله أو صحته أو عياله.
وإذا كان الافراد ممتثلين لأوامر الله عاملين بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، صار المجتمع كله مجتمعا صالحا نقيا متدينا يخشى الله في كل عمل، تسوده المودة والحب، ويغدو افراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ويتطهر من ظواهر الأنانية والحسد والحقد والضغينة التي هي أساس من أسس البلاء في المجتمعات غير الملتزمة بمنهج الإسلام، وإذا اتجه افراد المجتمع إلى طاعة الله، فإن الله سبحانه يعين المتصدق ويهيئ له طريق الرشاد ويذلل له سبل السعادة، يقول تعالى (فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنسيره لليسرى)، وبهذا يهدي الله المجتمع كله إلى ما فيه صلاحه وصلاح المجتمع كله.
والزكاة أيها الأخوة – تدفع عن الناس الاسقام وذلك لحديث: “داووا مرضاكم بالصدقة” ذلك لأن الزكاة حين تدفع إلى الفقراء وغيرهم من المصارف الثمانية وروعي فيها الفقراء حق المطعم والملبس والمأوى والصحة، فستعم العافية جميع أفراد المجتمع لانتفاء أسباب تفشي الأوبئة والاقلال من عدوى السقيم للسليم، فضلا عن أن الله تبارك وتعالى يرعى عباده الذين يلتزمون بشريعته فيبعد عنهم الضر ويشملهم برحمته مصداقا لقوله عز وجل (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وقوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة).
والزكاة – أيها الأخوة – تؤدي إلى إشاعة الأخلاق الفاضلة في المجتمع، فمعطى الزكاة إنما يفعل ذلك عن ايمان بأن هذا القدر الذي يدفع لمستحق الزكاة حق من حقوق المستحق لها وأنه أدى حق الله في ماله وأعطى للفقير حقه يقول تعالى (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وبهذا لا يشعر معطي الزكاة بالكبر والزهو، ولا يشعر مستحق الزكاة بالذلة والمهانة بل يشعر كل منهم بأن حق الله يجب أن يؤدي وتؤدي الزكاة كذلك إلى إشاعة الايثار بين افراد المجتمع حيث يحثهم الله تبارك وتعالى على الانفاق مما يحبون يقول تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم).
والزكاة – أيها الأخوة – تؤدي إلى تحقيق التوازن بين افراد المجتمع بحيث لا يتضخم المال في جانب الأغنياء وينحسر عن جانب الفقراء مما يؤدي إلى الصراعات والخصومات، قال تعالى (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وركن الزكاة لم يؤسس على الحقد والصراع بين الطبقات، بل أسس على ان المؤمنين جميعا أغنياءهم وفقراءهم أخوة تسودهم مشاعر البر والتراحم وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولا شك في أن تحقيق التوازن بين الأغنياء والفقراء يربط بينهم جميعا بمشاعر البر وروابط التراحم …. الأخوة.
والزكاة – أيها الأخوة – تكافح الفقر وتخفف من ويلاته وتحول المجتمع الذي يكثر فيه الفقراء إلى مجتمع يكثر فيه الأغنياء وهذا هو الذي حدث في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وكذا في عصر عمر بن عبد العزيز الذي كان قد أرسل إلى ولاته بالأقاليم فقال لهم: وزعوا ما جمعتم من الزكاة على الفقراء، فردوا عليه بقولهم: بحثنا في المسلمين فلم نجد فيهم فقيرا واحدا اغنتهم جميعا زكاة أموال المسلمين، فقال: إذن إلى بين المال.
والزكاة – أيها الأخوة – تربط المجتمع وتشد بعضه إلى بعض، وتقى المجتمع وتعالجه من ستة أمراض خبيثة، ثلاثة منها تصيب الأغنياء وثلاثة تصيب الفقراء وهي أمراض مدمرة لبناء المجتمع إذا وجدت في كل مكان وزمان.
أما أمراض الأغنياء فهي الشح والجشع والبخل وهذه ألفاظ تدل على معنى واحد وهو الحرص على عدم أداء حقوق المال وإن كانت هذه الألفاظ بها معان فرعية دقيقة يختلف فيه الفظ عن لفظ.
وإذا مرض الأغنياء في المجتمع في أي زمان ومكان بهذه الأمراض فتكون النتيجة اللازمة أن فقراء ذلك المجتمع سيصابون بأمراض مقابلة وهي الحقد والحسد والغل، وكلما زاد مرض الأغنياء زاد مرض الفقراء وبالتالي سيكون هذا المجتمع على أبواب التصدع والتفكك ثم الدماء كما يقرر ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تقلوا بأيديكم إلى التهلكة) فالأنفاق هنا هو وقاية لصاحب المال من الهلاك ومنها قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) والبخيل عدو نفسه لأنه من شدة حرصه قد يوقع الهلاك بنفسه من حيث لا يشعر.
وينبغي أن نقرر ان هناك قواعد إيمانية لا بد من الإشارة إليها:
1 – أن الله هو الرازق يبسط الرزق لمن يشاء ويقبضه عمن يشاء ولا دخل للإنسان إلا بفعل الأسباب التي أمر بها لتحصيل الرزق، ولا نستطيع أن …. الرزق بقوته البدنية ولا بقوته العقلية ولا مميزات الحسب والنسب وإنما الرزق بيد الله وحده، قال الله تعالى (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا)، وقال (أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون).
2 – أن بسط الله الرزق لعبده أو لعباده لا يدل على محبته إياه أو إياهم وإن قبضه الرزق عن عبده أو عباده لا يدل على بغضه إياه أو إياهم وإنما في كلا الحالتين يعتبر ابتلاء وامتحانا لعباده في حالة الغنى وحالة الفقر كما قال الله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، فمن بسط له الرزق وشكر فقد فاز ومن كفر النعمة فقد خسر الدنيا والآخرة ومن قبض عنه الزرق فصبر فقد فاز ومن كفر فقد باء بالخسران المبين.
3 – إن رعاية حقوق المساكين من أهم حقوق هذا الدين، والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من عنصرين أساسيين أحدهما مادي والثاني معنوي، والعنصر المادي له مطالب ملحة ضرورية وحاجيه وكمالية وتلبية هذه المطالب تتطلب من الإنسان السعي لأشباع هذه المطالب، وبذلك أمره بالسعي للحصول على الرزق ولكن هذا السعي ما هو إلا سبب ظاهري قد يترتب عليه السبب بقدرة الله وقد لا يترتب عليه.
ونعلم – أيها الأخوة – مما تقدم أن الله سبحانه وتعالى فرض الزكاة لحماية المجتمع من عوامل التصدع والتفكك والدمار، ولوقاية من الأمراض الخبيثة، ولتطهير الأغنياء من داء الشح والجشع والبخل وتطهير قلوب الفقراء من داء الحقد والغل والحسد، ولتزكية المال وتنميته بالبركة ولإشاعة الأخلاق الفاضلة ولربط قلوب المسلمين اغنياء وفقراء بالمحبة والمودة والرحمة والأخاء حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..





