الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبين سيدنا محمد الذي بعثه ربه ليتمم مكارم الأخلاق وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
فيسرني ويسعدني نيابة عن إخواني أعضاء اللجنة والأمانة العامة أن أرحب بكم في هذه الندوة المهمة في موضوعها لترشيد المؤسسات الاقتصادية عامة والعاملة وفق الشريعة الإسلامية خاصة، ويسعدني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى سعادة الأخ الفاضل الشيخ عبد العزيز الصباح محافظ البنك المركزي والعاملين معه على تعاونهم مع اللجنة في إقامة هذه الندوة، وأرحب بضيوفنا الكرام القادمين من المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية ومن المركز العالمي لتعليم التمويل الإسلامي بماليزيا الذين يحرصون على التنسيق مع اللجنة في موضوع الندوة المهم.
أيها الأخوة والأخوات الكرام: إن مما يميز الإسلام عن الأنظمة المادية الأخرى أنه لا يفصل أبدا بين الاقتصاد والأخلاق كما أنه لم يفصل بين العلم والأخلاق ولا بين السياسة والأخلاق، فالأخلاق لحمة الحياة الإسلامية وشذاها، ذلك لأن الإسلام رسالة الأخلاقية إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
إن الإسلام لا يجيز أبدا تقديم الأغراض الاقتصادية على دعاية المثل والفضائل التي يدعو إليها، وإن المسلم مقيد بالإيمان والأخلاق في كل نشاط اقتصادي يقوم به كسبا وتنمية وإنفاقا فلا يحل للمسلمين في سبيل تنشيط الاقتصاد وكسب العملات الصعبة أن يبيحوا الخمور ويحلوا الحرام، ويقيموا دور الرقص والفجور وإن خافوا عيلة أي فقرا ونقصا فسوف يغنيهم الله من فضله إن شاء.
والقرآن الكريم يأمر المؤمنين في يوم الجمعة إذا سمعوا النداء أن يوقفوا نشاطهم الاقتصادي ليسعوا إلى ذكر الله قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون”.
أيها الأخوة والأخوات: إن الإسلام يهدف إلى إقامة الحياة الطيبة والحياة الطيبة لا تقوم بالجانب المادي وحده، فقد يتوافر للإنسان المطعم الهنيء، والمشرب المرئ والملبس الفاخر والمركب الفاره والمسكن الواسع، ومع هذا كله لا تتحقق له الحياة الطيبة، إن أساس الحياة الطيبة هو سكينة النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب فبهذه المعاني تجمل الحياة ويطيب العيش.
روى الإمام أحمد وابن ماجة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كنا في مجلس فطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء، فقلنا: يا رسول الله نراك طيب النفس، قال “أجل” ثم خاض القوم في ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا بأس بالغنى لمن اتقى الله عز وجل والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم”.
وإذا كان الإنسان يبحث عن السعادة، فإن السعادة ليست في جمع الدنيا بعضها على بعض ولا امتلاك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وإنما السعادة في الإيمان الصادق والعمل الصالح، فهما ينبوع السعادة الحقة والحياة الطيبة كما قال تعالى: “من عمل صالحا من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”، ويقول صلى الله عليه وسلم “من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة همه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة”.
أيها الأخوة والأخوات: إن الإسلام قد شرع للناس التمتع بطيبات الحياة وزينتها واعتبر الحياة الاقتصادية الطيبة عونا على الارتقاء بالنفس، وحسن الصلة بالله تعالى والبر بخلقه، ولم يعتبر الإسلام الغنى حائلا بين الغنى وارتقاء أسمى الدرجات في التقرب إلى الله وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى” ومن استعاذاته “اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر” ويقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن العاص رضي الله عنه “يا عمرو، نعما بالمال الصالح للمرء الصالح” فالمال في نظر الإسلام زينة الحياة وعصب العمران، وقوام مصالح الناس قال تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” وليس أدل على قيمة المال وأهميته في نظر الإسلام من إنزال الله تعالى أطول آية في كتابه في تنظيم شأن من شئون المال وحفظه وصيانته وتوثيق معاملاته بالكتابة والإشهاد والرهن ونحوها وهي الآية المعروفة بآية المداينة وفيها يقول تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل…. إلى آخر الآية الكريمة.
أيها الحفل الكريم: إن اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بنت استراتيجيتها الاقتصادية أهدافا ووسائل على هذا المنهج الرباني الأخلاقي في النظر إلى الاقتصاد إنتاجا وتوزيعا وأصبح من أولوياتها منذ إنشائها تنتج الاقتصاد تشريعا ومعاملة من خلال الوسائل المتعددة من مصارف وشركات مالية واستثمارية وشركات تأمين وذلك بإقامة المؤتمرات والندوات والتنسيق مع الاقتصاد في داخل الكويت وخارجها للتمكين من هذا المنهج الاقتصادي الرباني الأخلاقي.
وإنها على استعداد لكي تكون مجلس حكماء لهذه المؤسسات الاقتصادية، ومظلة للجميع والتنسيق والتعاون مع هذه المؤسسات والجامعات لتصميم مؤشرات أخلاقية واجتماعية تساعد على تقديم الأداء الاجتماعي للشركات، وإصدار كتيبات وبحوث حول مفهوم تنمية الجانب الأخلاقي للعاملين في المؤسسات المالية الإسلامية مع مشروع تقنين المبادئ والقيم الأخلاقية وآليات التطبيق، سائلا المولى عز وجل أن يجعل هذه الندوة تطبيقا عمليا من خلال التجارب العالمية والأساليب لأخذ صورة كاملة نستطيع من خلالها معرفة المشكلات والعقبات ومن ثم ترشيد وتقديم العمل الاقتصادي لما يحبه ربنا ويرضاه.
أكرر الشكر للجميع وبارك الله في وقتكم جهدكم ونتائجكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




