شروط: يقول الله تعالى في سورة الأحزاب (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين… الآية). ويقول الله تعالى في سورة النور (قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). تبين هذه الآيات الكريمة شروط الحجاب الشرعي الذي يجب أن تلتزم بها المرأة المسلمة أمام الرجال الأجانب، وهذه الشروط هي كما يلي: أولا: أن يكون الحجاب ساترا لجميع البدن لقوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) والجلباب هو الثوب السابغ الذي يستر البدن كله، ومعنى (الإدناء) الارخاء والسدل فيكون الحجاب الشرعي ما ستر جميع البدن ما عدى الوجه والكفين وهذا بأجماع الفقهاء. أما ستر الوجه والكفين فقد اختلف فيهما الفقهاء على قولين: القول الأول: وهو الحنفية والمالكية وقد ذهبوا إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا الوجه والكفين مستدلين بما يلي: 1- قوله تعالى “ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها” فقد استثنت الآية ما ظهر منها أي ما دعت الحاجة إلى كشفه واظهاره وهو الوجه والكفان، وقد نقل هذا عن بعض الصحابة والتابعين. 2- بحديث عائشة رضي الله عنها ونصه “ان أسماء بنت ابي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق واعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: “يا أسماء ان المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا” وأشار إلى وجهه وكفيه. 3- بالمعقول وهو ان الوجه والكفين ليسا بعورة لان المرأة تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وتكشفهما أيضا في الاحرام، فلو كانا من العورة لما ابيح للمرأة كشفهما لأن ستر العورة واجب لا تصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة. القول الثاني: وهو للشافعية والحنابلة، وقد ذهبوا إلى ان جميع بدن المرأة عورة حتى الوجه والكفين مستدلين بما يلي: 1- قول الله تعالى “ولا يبدين زينتهن” فقد حرصت الآية ابداء الزينة وهي على تسمية: خلقية ومكتسبه، والوجه من الزينة الخلقية بل هو أصل الجمال ومصدر الفتنة والاغراء، واما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلى والكحل والخضاب. وتأولوا قوله تعالى “إلا ما ظهر منها” أن المراد ما ظهر بدون قصد ولا عمد مثل ان يكشف الريح عن نحرها أو ساقها أو شيء من جسدها. 2- قول الله تعالى: “وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب” فإن الآية صريحة في عدم جواز النظر، والآية وإن كانت قد نزلت في ازواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحكم يتناول غيرهن بطريق القياس عليهن والعلة هي ان المرأة كلها عورة. 3- المعقول وهو أن المرأة لا يجوز النظر إليها خشية الفتنة والفتنة في الوجه تكون أعظم من الفتنة بالقدم والشعر والساق، فإذا كانت حرمة النظر إلى الشعر والساق بالاتفاق فحرمة النظر إلى الوجه تكون من باب أولى باعتبار انه أصل الجمال ومصدر الفتنة. ثانيا: أن يكون الحجاب كثيفا غير رقيق، لأن الغرض من الحجاب الستر فإذا لم يكن ساترا لا يسمى حجابا، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر، ودليل ذلك ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها ان أسماء بنت ابي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثا: أن يكون الحجاب فضفاضا غير ضيق لا يجسم العورة، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم، ودليل ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم “كاسيات عاريات” أي كاسيات في الصورة عاريات في الحقيقة لأنهن يلبسن ملابس لا تستر جسدا ولا تخفى عورة. رابعا: ألا يكون الحجاب زينة في نفسه مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار لقوله تعالى: “ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها.. الآية” ومعنى ما ظهر منها أي من دون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه ولا يسمى حجابا لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب. والمرأة المسلمة إذا دعتها الضرورة للعمل خارج البيت موظفة فيجب أن تتقيد بشروط الحجاب الشرعي التي سبق ذكرها مع بعض الشروط التي يجب أن تراعيها حال وظيفتها وهي: أولا: عدم وضع الزينة على وجهها مثل المساحيق واحمر الشفاه والعدسات اللاصقة الملونة التي تغير لون العين لأنها تدخل كلها في الزينة التي أمر الله سبحانه بعدم ابداءها للرجال الأجانب. والفقهاء الذين ذهبوا إلى اباحة كشف الوجه والكفين قيدوا هذه الاباحة بأمن الفتنة. ثانيا: ألا تضع طيبا أو عطرا في ثيابها أو على جسدها للنهى الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله “إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس أو على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا أي زانية”. ثالثا: عدم الاختلاط المشين في العمل مما يزيح الكلفة ويتيح الكلام غير الضروري بين النساء الاجنبيات والرجال الأجانب، بل تقتصر على ما يؤدي إلى عملها مع الخفر والحياء. رابعا: غض البصر لأنه مأمور به بقوله تعالى “وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن … الآية”. والله الموفق والمعين د. خالد المذكور



