يطالعنا العام الهجري الجديد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهله علينا بالخير والأمن والأمان. والمتتبع للهجرة النبوية الشريفة يرى أنها بتوفيق من الله سبحانه وتعالى خطط لها تخطيطاً جيداً سواء في ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مع رفيق دربه أبي بكر الصديق رضي الله عنه أو في تهيئة الأجواء بالمدينة قبل وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك استشراقاً لقيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة لتكون منطلقاً إلى الفتوحات الإسلامية الكثيرة وقيام الأمة الإسلامية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيعة العقبة وبعث النقباء إلى المدينة المنورة وبعث القراء حتى يعلموا في المدينة المنورة مبادئ الإسلام وتعاليمه، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بعملين كبيرين في المدينة المنورة وهما المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ووضع  كتاب معاهدة بينه وبين يهود المدينة حتى يطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عرَّفه الله سبحانه وتعالى غدرهم ومكرهم وحيلهم، نجد كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى المدينة المنورة ووجد فيها تلك القلة المؤمنة من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وآخى بينهم وبين إخوانهم المهاجرين الذين تركوا وطنهم وأموالهم وسكنهم وفروا بدينهم إلى الله سبحانه وتعالى، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هيأ الأجواء فيها وكان مرتكزه في المدينة المنورة وهو مرتكز كل مسلم يلج أرضاً غريبة فبنى أول مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء عند ذلك اختار الأرض بأمر من الله سبحانه وتعالى وهي أرض المدينة والمدينة قرب الشام والشام كان تابعاً لأقوى دولة في ذلك الوقت، دولة الروم فكان هذا تمهيداً وتهيئة لكي يمتد المسلمون إلى هذه الدولة. وما بعث الكتب إلى كسرى فارس وإلى هرقل الروم وإلى مقوقس مصر إلا لتمكين الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الفئة المؤمنة في المدينة المنورة، فوجدت الأرض وهي من أركان الدولة ووجد الشعب المسلم أو المجتمع المسلم وهو مجتمع المدينة ولا يزال مجتمع المدينة يمثل ظاهرة كبرى في عالم المدن. وفي الوقت المعاصر نجد أن كثيراً من المجتمعات لا يختلف عن مجتمع المدينة مجتمع فيه المسلمون وفيه اليهود المتربصون وفيه المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، كيف وازن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذه الفئات فأوجد المجتمع المسلم الذي تناسى عصبيته وقبليته، بل تناسى بُعد المسافات بينه وبين غيره، إذ أن أهل مكة المسلمون تآخوا مع أهل المدينة المسلمين في أقوى رابطة وأشد وثاق وهو وثاق المسلمين الصادقين المخلصين عندما وجدت الأرض ووجد المجتمع احتاج هذا المجتمع المسلم إلى التشريع والتنظيم في كثير من أموره، فنزلت آيات الله سبحانه وتعالى في السور الطوال تبين أحكام هذا المجتمع في عباداته وصلاته بينه وبين نفسه وبينه وبين الأمم من حوله وكان القائد والمرشد والموجه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. هنا تبلور المجتمع المسلم وتهيأت الأجواء؛ لكي ينطلق هذا المجتمع لينشر دين الله سبحانه وتعالى في الشرق وفي الغرب وينشر نور الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

أقول: ينبغي أن نَدْرُسَ مجتمع المدينة ونرى تهيئة الأجواء في المدينة المنورة ونحن نعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مجتمع مثل مجتمع الكويت الذي تفوق إيجابياته سلبياته، ويربطه رباط وثيق من المودة والتراحم والتكافل.

وإن بدى كأي مجتمع معاصر فيه ما فيه من سلبيات، لكن سلبياته قليلة بالنسبة لكثرة إيجابياته.

تهيئة الأجواء موضوع مهم جداً في استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ولنا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة المنورة دروس وعظات وعبر كثيرة يجب أن نعتبر منها وندرسها دراسة تحليلية مستفيضة من خلال تهيئة الأجواء في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأن ندرك أن قوة المسلمين لا تكون عن عاطفة مشبوبة فقط، ولكن قوتهم في التخطيط لمستقبلهم وقيام الركائز والمؤسسات التي تعبر تعبيراً عملياً عن مفهوم هذا الدين العظيم في اقتصادياته وفي تربيته وفي إعلامه وفي تشريعه وفي علاقاته مع المجتمع كله ونسأل الله أن يمدنا بقوة من عنده وهو ولي ذلك والقادر عليه.

      د. خالد المذكور

رئيس اللجنة الاستشارية العليا

Scroll to Top