شريعة الله كل لا يتجزأ

الناظر إلى نفسه متدبراً متأملاً يجد أن الله سبحانه صوره ورتب أجهزته وأعضاءه وفق حكمة مقدرة، وخطة دقيقة متكاملة، تتوافق مع ما شرعه الله له، وتنسجم وفق منهج الله، وتتعاون هذه الأجهزة والأعضاء مع بعضها البعض في بنيان قوي متماسك بعد نفخة الروح في سبيل قيام الإنسان لأداء مهمته في الأرض.

فالعقل والفهم والإدراك يأتي مكانه في قمة البنيان الإنساني في الدماغ وهو جماع الأجهزة الآدمية، يصدر إليها الأوامر والإشارات والتنبيهات فتأتمر وتنتهي.

وعندما ننزل إلى الوجه نجد فيه العينين والأذنين والأنف والفم وفي هذه الأعضاء حواس البصر والسمع والشم والذوق، ثم ننزل فتأتينا الأطراف من اليدين والرجلين وما بينهما من أجهزة وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أجهزة الجسم الإنساني أوامر ونواه بدءا بالقمة ونزولاً إلى الأطراف.

فجعل مدخل العقيدة هو الفكر والتأمل، والعقيدة هي جماع الأمر كله في الإسلام: العقل موضع النظر والاستدلال، ولا يكون هذا إلا بالفكر الثاقب والعقل المتفهم، وإذا كان المخ يصدر أوامره وتنبيهاته إلى جميع الأعضاء فكذلك العقيدة في الإسلام لا تأتي الأوامر والنواهي إلا بعد أن يؤمن الإنسان إيماناً جازماً بالله تبارك وتعالى، وبجميع أنبيائه ورسله وكتبه وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره.

ثم يأتي بعد ذلك السلوك الأخلاقي، والصفات الحميدة، وتتمثل هذه بما شرعه الله -تعالت حكمته- من أوامر ونواه للبصر والسمع والأنف والفم، يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.

ويقول تعالى: “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”.

ويقول تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم”.

“ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله، إن الله تواب رحيم”.

ومن خلال النظر والسمع والكلام يمتثل الإنسان أوامر الله جل وعلا، فلا ينظر إلى محرم ولا يستمع إلى غيبة أو نميمة، ولا يتكلم إلا بما أمره الله تعالى امتثالاً لقوله سبحانه “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً”.

وبعد هذا يشرع الله -جل وعلا- لبقية الأطراف والأعضاء الداخلية والخارجية أحكاماً عملية من عبادة لا تؤدى إلا إذا تحرك الجسم حركة ظاهرية من قيام وقعود وركوع وسجود ومن معاملة كالزواج والبيع والشراء لا يقوم بها إلا الأطراف بحركة ظاهرة تبنى عليها كثير من الأحكام.

وإذا كان الله قد خلق الإنسان في هذا البنيان المتكامل على هذه الصورة الجميلة المنسقة فإنه سبحانه قد شرع لهذا الإنسان بنياناً عقدياً وسلوكياً وعملياً شديد التماسك، عظيم الأثر لا يستغنى بعضه عن بعض.

فإذا كنا لا نتصور إنساناً مقطع الأجزاء مشتت الأعضاء ونعتبره عاجزاً ومقعداً أو غير ذلك فإننا لا نتصور شريعة الله مقطعة مشتتة نأخذ بعضاً منها ونترك البعض الآخر، وإنما يجب أن نأخذها كلا متكاملاً عقيدة تنبض بالحياة وسلوكاً أخلاقياً في مواجهة الإغراءات والأهواء والشهوات وأحكاماً عملية باقية خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

إن الذين يريدون تشويه الشريعة الإسلامية بإبعادها عن موضع التشريع ويضعون في سبيلها العراقيل، ولا يحكمونها في أمورهم ويقصرونها على المسجد فقط إنما هم في الواقع يعتدون على بنيان الله المتين في التشريع لأجل الإنسان من قمة رأسه إلى أخمص قدميه والاعتداء على أي عضو في الإنسان يعاقب عليه، فكيف بالاعتداء على شريعة الله وقطعها وتجزئتها إلى أشلاء مبعثرة، “صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون”.

أود في البداية أن اشكر جزيل الشكر وأوفاه جميع الأخوة الذين تصلهم نشرة الأمل على مواكبتهم لعمل اللجنة واستفساراتهم واقتراحاتهم التي يبعثونها شفوية أو تحريرية واهتماماتهم بإنجازات اللجنة وأبحاثها.

وهذا التفاعل المستمر يدل دلالة واضحة على حرص الأخوة الكرام على عمل اللجنة وإنجازاتها ولا شك أن اللجنة – بحمد الله – تعتبر ركيزة من ركائز الخير الكثيرة في الكويت وأصبحت واحة علمية للباحثين والمتخصصين في علوم الشريعة بإنشاء مركز التوثيق والمعلومات فيها الذي يعد من أهم المراكز في الكويت في تخصصه.

وأصبحت محط أنظار الزائرين لها من داخل الكويت وخارجها لمنهجها في العمل ولنموذجها في تهيئة الأجواء القائم على الحوار الهادئ والوصول إلى ما يحقق استكمال تطبيق أحكام الشريعة بالإقناع أو بالحياد، واحتواء الأفكار وصياغتها بما يتلاءم وظروف الكويت وواقعها.

وإن المهمة التي كلفت بها اللجنة مهمة جليلة لتعلقها بشرع الله عز وجل وهذه المهمة تتطلب المنهاج الذي تتبعه اللجنة في عملها العام والخاص.

ففي المجال العام تحرص اللجنة على الالتقاء بجميع الفعاليات في المجتمع الكويتي وتبادل الزيارات في الداخل والخارج وإقامة الحوار والنقاش العلمي المفيد مع المختصين واستضافة العلماء والاستفادة من مقترحاتهم وآرائهم.

وفي المجال التخصصي تفرعت عن اللجنة العليا خمس لجان فرعية وهي:

اللجنة التشريعية: ومهمتها مراجعة القوانين السارية واقتراح ما تراه موافقا للشريعة.

اللجنة الاقتصادية: ومن أهدافها دراسة الوضع الاقتصادي واقتراح البدائل التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

اللجنة التربوية: ومن أهم أهدافها وضع النظام التربوي الشامل بأسلوب البدائل الإسلامية فكراً وواقعاً.

اللجنة الإعلامية: ومن أهم أهدافها إعداد مشاريع إعلامية بناءة ودراسة البدائل المناسبة.

اللجنة الاجتماعية: ومن أبرز أهدافها وضع التصورات واقتراح الحلول حول القضايا الاجتماعية والأسرية.

وشكلت لجنة نسائية بعد انعقاد المؤتمر النسائي الكبير ومهمتها دراسة التوصيات والاقتراحات التي انبثقت عن المؤتمر.

وكل لجنة من هذه اللجان تستعين بفرق عمل من المستشارين والمتخصصين وتستكتب عدداً من الخبراء في الداخل والخارج.

وحرصاً من اللجنة على نضوج العمل ودراسته من جميع جوانبه والاستفادة من تجارب الآخرين اتبعت آلية موضوعية تتمثل في الآتي:

1 – تدرس فرق العمل ما يطلب منها دراسة تخصصية ولها حرية اقتراح ما تراه مناسبا من وسائل الدراسة مثل إقامة مؤتمر أو ندوة أو حلقة نقاش أو استكتاب أو استضافة بعض الخبراء أو تشكيل ورش عمل.

2 – يرفع فريق العمل ما توصل إليه إلى اللجنة المختصة الفرعية.

3 – تناقش اللجنة المختصة الفرعية دراسة فريق العمل وقد يتطلب الأمر حضور عضو أو أكثر من فريق العمل، وقد ترى اللجنة المختصة إعادة النظر في بعض مراحل العمل وقد تعقد جلسة مفتوحة لمناقشة بعض أو كل الدراسة حتى تستطيع أن ترفعها إلى اللجنة الاستشارية العليا مع عدة بدائل تنفيذية.

4 – تجتمع اللجنة الاستشارية العليا لمناقشة ما رفع إليها من اللجان الفرعية ويعرض عليها ما تتوصل إليه اللجنة الفرعية وقد يستدعي الأمر استضافة من تراه اللجنة بخصوص الدراسة والاستماع إلى وجهات النظر ويرفق دراسة فريق العمل للاطلاع.

5 – ترفع اللجنة الاستشارية العليا ما تتوصل إليه من إنجاز مرفقاً بعدة بدائل إذا تطلب الأمر إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله.

إن توثيق المعلومة وتوكيدها ودراستها من جميع جوانبها هو من أهم اعمال اللجنة ولذلك قد يكون في عمل اللجنة تريث مطلوب لأن العمل كما قلت سابقاً جليل وخطير.

هذا ما أحببت أن اطلع قارئ نشرة الأمل عليه لكي يعرف ويواكب عمل اللجنة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

         خالد المذكور

رئيس اللجنة الاستشارية العليا

Scroll to Top