النقد في ميزان الإسلام

من أدب إسلامنا النصيحة وحب الخير للناس أجمعين والنصيحة باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولقد لعن الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل لعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر في قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون}.

وإذا استعرضنا النقد من خلال تعاليم الإسلام نجد أن له شروطا حتى يكون النقد ذا فائدة مرجوة، ومن أهم شروطه:

* البعد عن الكذب، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة”.

* البعد عن التشهير والتشفي، فلا يختلط النقد بروح الحقد أو الضغينة، ولا يجوز أن يكون تشفياً للشخص المنتقد، لأن الهدف من النقد هو الإصلاح والتقويم، وهذا لا يتأتى مع التشهير والتشفي.

* الإخلاص في النقد، فإن صلاح النية وإخلاص الفؤاد يرتفعان بمنزلة النقد فيجعلانه عبادة، فلا يقصد المسلم بنقده حب الظهور والشهرة، بل يحرص كل الحرص على الإخلاص متذكرا قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

* أن يكون النقد بالرفق وحسن الخُلق حتى يؤدي غرضه، فالأدب والاحترام ولطف العبارة من الناقد للمنتقد تؤثر فيه ويحمد عقباها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله يجب الرفق في الأمر كله”.

* أن يكون النقد مصحوبا بالأدلة والتوجيه حتى يكون نقداً علمياً مبنياً على أسس وأدلة، وأن يكون إيجابياً يضع الحلول البديلة ولا يثير المعارضة فقط.

* ألا يكون النقد مبنياً على الشكوك والظنون بل على الخبرة والتجربة.

* ألا يكون مخالفا للشرع.

* البعد عن اللغو والسخرية، لقوله تعالى في صفات المؤمنين: “والذين هم عن اللغو معرضون” ولقوله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض”.

* ضبط النفس أمام عوامل الاستفزاز ومنعها طوعاً أو كرها من أن تستحثها دواعي الغضب، وذلك مصداقاً لما رواه أبو داود عن سعيد بن المسيب أنه قال: “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه، فصمت عنه أبو بكر، ثم أذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر ثم أذاه الثالثة فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوجدت علي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان”.

* البعد عن الجدل لأن هناك أحوالاً تستبد بالنفس وتغري بالمغالبة وتجعل المرء يناوش غيره بالحديث ويتصيد الشبهات التي تدعم جانبه فيكون حب الانتصار عنده أهم من إظهار الحق، يقول صلى الله عليه وسلم: “ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل” ويقول صلى الله عليه وسلم: “أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه”.

هذه الضوابط الشرعية تمثل أدب الحوار وأدب النقد في ميزان الإسلام وتؤدي الفوائد المرجوة من النقد وبذل النصيحة.

Scroll to Top