اتفق علماء الشرع على أن الغش خيانة ولا يجوز في جميع صوره، لأنه يجر صاحبه الى النار، واستنكروا كل مظاهر الغش المتعددة التي نراها اليوم، وحول خطورة هذه الظاهرة نستطلع آراءهم.
في البداية يؤكد د.خالد المذكور أن الغش حرام بالإجماع لوجود نص الحديث النبوي الشريف «من غشنا فليس منا» وسواء كان هذا الغش في الامتحانات أو في التجارة أو في أي عمل.
واعتبر د.المذكور الغش ظلما بينا، فإذا كان غش الطالب في الامتحان فهذا يساوي بين الطالب المجتهد والكسول في آن واحد، وهذا كما يصفه من الغبن وهضم الحقوق، وقال: اذا كان غش الطالب في مادة التربية الإسلامية تحديدا يعتبر جريمة أكبر، مشيرا الى أن المنهج الذي يتعلم منه الحلال والحرام ينبغي أن يكون هو الأولى، ولأن الطالب تربى على الحلال والحرام من خلال هذه المادة تحديدا فإذا تعامل فيها بما يخالف محتواها كان الأولى تغليظ العقوبة له.
وطالب د.المذكور التربويين بوقفة جادة من خلال تدريس مادة التربية الإسلامية بصورة أكثر فاعلية وتبيين المحاذير الشرعية وضرورة التزام المسلم بحدود الحلال والحرام في الوقت الذي يجب أن يتعلم الأبناء هيبة اللوائح والقوانين واحترامها.
وقال: هذه القضية تربوية اجتماعية شرعية، معربا عن أمله في تفعيل دور الأسرة ورقابة الوالدين مع الاهتمام التربوي بالأبناء وتهذيبهم وتدريبهم على الحلال والحرام والخوف من الله تعالى وحسن مراقبته.
آفة اجتماعية
وعن حكم الغش وصوره، يقول د.عبدالعزيز القصار: الغش آفة اجتماعية خطيرة يأباه الدين والعقل السليم والطباع السوية والنفوس الشريفة، وهو نقيض النصح، فإذا زين شخص لآخر غير المصلحة، وأظهر له غير ما أضمر فهو غاش له، غير ناصح، وقد اتفق الفقهاء على أن الغش حرام سواء أكان بالقول أو بالفعل، وقد ورد في تحريم الغش ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فابتلت أصابعه فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا».
وللغش صور مختلفة كالغش بالتدليس والخيانة والكذب وغيرها. واستشهد د.القصار بما ورد في التحذير من الغش لمن استرعاه الله تعالى أمرا على أحد على الخصوص من الأحداث النبوية، فذكر ما رواه معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يسترعي الله عبدا رعية يموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة»، وفي رواية: ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة، وقال النووي في معنى: حرم الله عليه الجنة، فيه تأويلان، أحدهما أنه محمول على المستحيل، والثاني حرم عليه دخولها مع الفائزين السابقين، ومعنى التحريم هنا المنع والمراد أنه لا يدخل الجنة في وقت دون وقت، لأن الله انما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك، فلما قلب القضية استحق أن يعاقب، ففي الحديث الشريف التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله شيئا من أمرهم واسترعاه عليهم ونصحه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم فإذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده، أما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم، أو تضييع حقوقهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم.
وزاد: ومن اوجه الغش ايضا عدم النصح في المشورة خصوصا فيما يسأل عنه من تولية الولايات، فينبغي على المستشار أن يشير إلى ما فيه رشد المستشير وخيره، فإن أشار عليه بغير صواب فقد غشه في مشورته وخانه بكتمان مصلحته، وذلك لما روى أبوهريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استشاره اخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن، أي الذي طلب المشورة والرأي فيما فيه المصلحة أمين فيما يسأل من الأمر فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته.
مرض اجتماعي خطير
وأكد د.وائل الحساوي ان الغش من اكبر المحرمات في الإسلام وهو خيانة للأمانة التي أمر الله تعالى بها (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، وبين أن الغش يحدث في كل أمر من أمور الحياة، ففي التجارة يكون الغش لترويج السلعة الفاسدة وزيادة الربح، وفي المظاهر الاجتماعية لرفع منزلة إنسان وضيع او تزكيته، حيث لا يستحق التزكية، وفي العمل بألا يؤدي الانسان ما هو مطلوب منه او يكذب على صاحب العمل، او يفشي الاسرار وكذلك في الانتخاب، بحيث يساعد على وصول من هو ليس اهلا لذلك وفي حياتنا اصبح الغش ينتشر في كل شيء بسبب ضعف ايمان العباد وطغيان الحياة المادية وسيطرتها على اهوائهم.