من لطائف السفر وتوفيق الله فيه ما حصل في السفر إلى المملكة المغربية الشقيقة قبل سنوات..
فقد كنت مستعدا للسفر إلى المملكة المغربية لتنظيم مؤتمر عن المخدرات باعتباري عضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت التي تقيم مؤتمرات وندوات تجمع فيها بين ذوي الاختصاص من أطباء وغيرهم وبين الفقهاء والعلماء، وكان رفيقي في السفر الدكتور أحمد رجائي الجندي الأمين العام المساعد للمنظمة، ولم يكن هناك خط جوي مباشر من الكويت إلى المغرب، وتم الحجز على الطائرة الإيطالية القادمة من بومبي إلى الكويت ومنها إلى روما ومنها إلى الدار البيضاء وكان موعد السفر الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل ولما أخبرني الدكتور أحمد رجائي بموعد السفر في هذه الساعة التي يهجع فيها الإنسان إلى فراشه قلت له ألم تجد يا دكتور أحمد غير هذا الوقت فقال إن وقت الوصول إلى الدار البيضاء من روما مناسب جدا لأن موعدنا مع المسؤولين في وزارة الأوقاف المغربية سيكون في الساعة الواحدة ظهرا.
وكان نومي متقطعا تلك الليلة واستيقظت في الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا وارتديت البدلة الافرنجية باعتباري ذاهبا إلى روما ومنها إلى المغرب، ووصلت المطار وانتهيت من إجراءات السفر مع الدكتور أحمد رجائي، وكان المطار هادئا ليس فيه إلا الركاب المسافرون على الطائرة الإيطالية، وتوجهنا إلى الطائرة فإذا هي ممتلئة بالركاب القادمين من الهند وعند جلوسنا على كراسي درجة رجال الأعمال قلت للدكتور أحمد وهو الذي رتب الحجز ما هي المدة التي نبقى بها في مطار روما قبل التوجه إلى الدار البيضاء، قال في حدود ثلاث ساعات ونصف، فقلت له: لماذا لا ننتهز هذه الفرصة ونأخذ سيارة للتجول في روما التي لم أزرها من قبل وإذا كان بالإمكان الذهاب إلى الفاتيكان ورؤية الكنائس العريقة باعتبارها مقر البابا ولها سمعة دولية فوافقني على ذلك بمشيئة الله، ثم قلت له نستطيع الآن أن نأخذ قسطا من الراحة والنوم ونستيقظ في الساعة الخامسة لأداء صلاة الفجر إن شاء الله.
وغادرت الطائرة بوابة المطار في موعدها، وهي تسير على المدرج استعدادا للاقلاع وعند وصولها نهاية المدرج أعلن قائد الطائرة أن خللا فنيا بسيطا طرأ قبل الإقلاع وسنعود إلى بوابة المطار لإصلاح هذا الخلل، وعادت الطائرة إلى البوابة وفتحت الأنوار واستيقظ النائمون وبكى الأطفال بعد هدوء وحاول المضيفون اشغالنا بالضيافة وقراءة الجرائد والمجلات وطال الانتظار وبزغ الفجر ونحن في الطائرة فطلبت من المضيف أن نزل من الطائرة لكي نؤدي صلاة الفجر فقال إلى إن المسؤولين في المطار رفضوا نزول الركاب لأننا بعد قليل سنقلع فضلينا في الطائرة جلوسا لكي لا يفوتنا وقت الفجر وحاولنا النوم ولم نستطع وإذا بقائد الطائرة يخبرنا بأن الخلل في المحرك وأنه يحتاج إلى قطع غيار ليس متوفرا في الكويت وأن الرحلة أجلت إلى الساعة التاسعة من مساء هذا اليوم الذي طلع فجرة وشمسه وأن على الركاب التوجه إلى المطار وسيتم استضافتكم في فندق المطار، فقمنا من مقاعدنا متعبين ونزلنا من الطائرة وحدث احتجاج من كثير من الركاب كالعادة في مثل هذه المواقف ومن المرتبطين بطائرة أخرى وبأعمال ومواعيد، وحاولنا أن نسافر على طائرات أخرى متجهة إلى بلدان أخرى فلم نجد مكانا على هذه الطائرات وإن وجدنا فليست هناك رحلات من مطارات أخرى إلى الدار البيضاء.
وقلت للدكتور أحمد نحن بين أمرين إما تأجيل السفر أو البحث عن طائرة أخرى ولا نقول إلا قدر الله وما شاء فعل، فقال إن تأجيل السفر صعب لارتباطنا بمواعيد محددة واتفاق على جدول معين ويعني التأجيل أن نتأخر أياما وهذا يترتب عليه تأخير موعد المؤتمر، بالإضافة إلى أن تأجيل السفر يترتب عليه أيضا حصولي على تأشيرة سفر جديدة من وزارة الصحة وقد أخذت التأشيرة الحالية بصعوبة.
قلت له: إذن لابد من البحث عن طائرة أخرى، وكانت الساعة تقترب من السابعة والنصف صباحا وبعد الإفطار في مطعم المطار اتصلت بمكتبي لكي يبلغوا المسؤولين في وزارة الأوقاف المغربية بما حصل من تأخير الرحلة ثم بدأت أبحث عن مسؤول في الخطوط الكويتية ليرتب لنا رحلة أخرى في نفس اليوم.
وبعد ساعتين تقريبا جاءني هذا المسؤول وأخبرني أنه رتب لنا رحلة إلى المغرب عن طريق جدة إذ نسافر على الخطوط الجوية الكويتية إلى جدة ثم نبقى في جدة عشر ساعات ثم نسافر على الطائرة المغربية المغادرة إلى الدار البيضاء الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.
وقلت للدكتور أحمد عن ترتيب هذه الرحلة فأخبرني بأنه يحتاج إلى تأشيرة دخول إلى السعودية، فقلت له إننا سنكون في المطار مارين ولسنا داخلين إلى جدة، فقال لي أن الذي يعلمه أن غير السعودي أو الخليجي إذا بقي في مطار جدة أكثر من ست ساعات فإنه يحتاج إلى تأشيرة ثم قال لي يظهر إنك ستسافر وحدك لأن المسألة صعبة، وأخبرت الأخ المسؤول عن هذا الاشكال فبعث بفاكس إلى مكتب الكويتية ليتأكد من الاحتياج إلى التأشيرة فجاءه الرد بالإيجاب فنظرت إلى الدكتور أحمد فقال: الم أقل لك إن سفري صعب، فتوكل على الله وسأغادر المطار وأمري إلى الله فأجبته إننا جميعا متوكلون على الله وسيجعل الله لنا من الضيق فرجا، وصممت على سفره معي فاستجاب وهو متضايق ويفكر فيما سيكون في مطار جده، وقتل إن لكل حادث حديثا، وقضينا الساعات قبل قيام الطائرة إلى جدة في المطار وأنا في البدلة الافرنجية وشاهد في كثير من المسافرين وفي أذهانهم تساؤل عن مجيئي إلى المطار للسفر وانا ألبس البدلة ولم يكوفوا رأوني قبل ذلك إلا باللباس الكويتي.
وحان موعد اقلاع الطائرة الكويتية إلى جدة وركبنا الطائرة فزادت دهشة المسافرين الكويتيين من رؤيتي بالبدلة ومعظمهم ذاهب لأداء العمرة وأخذوا ينظرون إلي مستغربين مندهشين فالطائرة متوجهة إلى جدة وليست إلى أوروبا حتى ولو كان السفر إلى جدة وحدها فلا يلبس الذاهبون إليها من الكويتيين البدلة الافرنجية، واصبح لزاما علي وهم يوجهون إلي دهشتهم واستغرابهم بلسان الحال لا بلسان المقال أن أوضح لهم وجهتي وسبب ذهابي إلى جدة بالدبلة الافرنجية، أما الدكتور أحمد فكان منشغلا متوترا من الذهاب إلى جدة والبقاء في مطارها بدون تأشيرة دخول، وبعد مضي ساعتين تقريبا لم نذق فيها الطعام المقدم إلينا لشدة تعبنا وسهرنا واجهادنا وصلنا إلى مطار جدة، واستقبلنا مندوب الكويتية في المطار وقال لي على انفراد لقد حجزنا لك فندقا قريبا من المطار لكي ترتاح فيه إلى وقت السفر إلى المغرب بعد تسع ساعات تقريبا، فقلت له: لن اغادر المطار إلى الفندق إلا ومعي الدكتور احمد، فقال أن الدكتور أحمد لن نسمح له بمغادرة المطار بل إن وجوده في المطار خلال هذه الساعات التسع يحتاج إلى تأشيرة وسأحاول قدر جهدي مع مسؤولي المطار اعفاءه من التأشيرة إن شاء الله فقلت له إن كانت هناك محاولات فلتكن لخروجه معي إلى الفندق لأننا لم نذق طعم النوم والراحة والأكل منذ البارحة أو نبقى في المطار وتفوت الساعات التسع كما فات غيرها في مطار الكويت، وسأساعدك في هذه المحاولات.
وعندما عرف تصميمي على الخروج مع الدكتور أحمد قال له أمعك صورة شخصية يا دكتور؟ فتح حقيبة يده وأخرج صورتين فقلت له هذه بداية فرج الله وتيسيره وتوفيقه، وأخذ المسؤول الصورتين وجواز سفر الدكتور أحمد، وغاب عنا ساعة قد بلغ فيها التعب مبلغه جسميا وذهنيا ثم جاءنا والبشر باد على وجهه وقال: الحمد لله قد فرجت وأعطى الدكتور أحمد ورق فيها بيانات جواز سفره وصورته الشخصية وقال: إن الجواز محجوز وهذه الورقة بديل عنه إلى أن يحين موعد سفركم وتسلمهم الورقة ويسلمونك الجواز، والآن هيا بنا إلى الفندق لترتاحوا من هذا التعب، فحمدنا الله تعالى على توفيقه وقلت للدكتور أحمد: ألم أقل لك أن الله ييسر كل أمر عسير ومن صبر ظفر ولو بعد حين، وخرجنا من المطار مسرورين إلى الفندق القريب من المطار في ضواحي جدة لكي ننعم بالراحة وقد أنفتحت …. والشهية واطمأن القلب بقرب بيت الله الحرام، وأخبرنا مسؤول الكويتية أن السيارة ستمر علينا في الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل لتأخذنا إلى مطار جدة، وشكرنا سعيه المثمر وانشغاله معنا وتعاطفه وإذ نحن في السيارة منطلقين إلى الفندق وقد أغمض كل منا عينيه في اغفاءه قصيرة مريحه، وإذا بالنفس تهفو إلى بيت الله الحرام وتغرم وتصمم فالتفت إلى الدكتور أحمد وايقظته من اغفاءته وقلت له لابد أنك تفكر فيما أفكر فيه فقال تجاوزت التفكير إلى العزم والتصميم فقلت للسائق: أوصلنا إلى الفندق ثم اذهب إلى السوق واشتر احرامين ونعلين ونقدته ثمنهما وبعد ساعة من وصولنا الفندق واغتسالنا واحرامنا بنية العمرة وإذا بنا في الطريق إلى مكة المكرمة التي صلنا عقب صلاة المغرب مباشرة وصلينا المغرب والدموع على خدينا تعبر عن فرحة قلبينا برؤية الكعبة المشرفة وبفضل الله علينا بن وفقنا ووجهنا إلى بيته المحرم، وأدينا العمرة بين المغرب والعشاء، وانتهينا منها قبل أذان العشاء ثم جلسنا وقد أذهب الله التعب عنا بانشغال القلب والذهن والجسد بالدعاء والخشوع مع الطواف والسعي وصلينا العشاء في الحرم وجلسنا بعد صلاة العشاء ندعو ونقرأ القرآن الكريم والدموع لا تكف والقلب يرجف خشية الله سبحانه وشكرا له على نعمائه ثم قمنا مودعين البيت الحرام بالطواف، والدكتور أحمد لا يستطيع الكلام معي لغلبة بكاء الحمد والشكر عليه ثم ذهبنا من مكة المكرمة وقد بلغ القلب …. وهدأت النفس وذهب التعب بإذن الله ووصلنا الفندق مسروري الخاطر والبال على كرم الله في كل الأحوال …. نوما قصيرا عميقا هادئا بعد وجبة شهية تناولناها والفكر هادئ بعد وجبة ايمانية لم نكن مخططين لها ولكن توفيق الله وكرمه لا يعد ولا يحد (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ثم ذهبنا إلى المطار وغادرنا بالطائرة المغربية إلى الدائر البيضاء وأكملنا نومنا بالطائرة إلى الفجر ووصلنا هناك سالمين غانمين حامدين، وهكذا أردنا الفاتيكان وأراد لنا ربنا بيته الحرام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الدكتور خالد المذكور.