الدول الإسلامية مفطرة!!

“صيام الدولة” يعني تطبيقها لشرع الله بكل جوانبه

تمتاز الاحكام الشريعة بأنها احكام متكاملة بين الفرد والدولة، فإذا صلى الفرد فعلى الدولة ان تصلي، وإذا زكى الفرد فعلى الدولة ان تزكي، وإذا حج الفرد فعلى الدولة أن تحج، فإذا صام الفرد فعلى الدولة أن تصوم. ولما كانت الفروض الشرعية مطلوبة من كل الافراد بأعيانهم، فإن الدولة مطالبة أيضا لانها عبارة عن مجموعة من هؤلاء الافراد، فهي مطالبة كأفراد ومطالبة زيادة على ذلك أن تصوم باعتبارها سلطة دولة. وبيان ذلك: ان الصلاة مطلوبة على سبيل الفرضية من كل أحد من المسلمين، وبالتالي فإن الدولة مطلوب منها كسلطة أن تهيئ للمسلمين ما به تتحقق الصلاة كما أرادها الله عز وجل فتقيم المساجد وترعى ما تتطلبه لتحقيق غاية فرضية الصلاة، وهذا ما تصطلح على تسميته بصلاة الدولة. الزكاة والحج والزكاة مطلوبة على سبيل الفرضية من كل واحد من المسلمين، ومطلوب من الدولة كسلطة ان تنظم مصارف الزكاة، وتعين على تحقيق هذا الفرض، وهي بهذا تزكى معهم بل يستحق افرادها الزكاة – وهم “العاملون عليها” وهذا ما نسميه بزكاة الدولة، والحج مطلوب على سبيل الفرضية من كل من استطاع من المسلمين، ومطلوب من الدولة ان ترعى الحج وتهيئ الناس كي يتمكنوا من تحقيق هذا المطلب الشرعي وهذا حج الدولة، وإذا كانت العلاقة قائمة بين الفرد والدولة في العبادات أو الأمور التي تشبه الإيجابيات فهي قائمة أيضا فيما يشبه السلبيات، فإذا كان الافراد مطلوبا منهم ألا ينتهكوا حرمات غيرهم من مال أو عرض او نفس أو عقل أو دين، وهي ما تسمى بالضرورات الخمس، فكذلك على الدولة الا تنتهك حرماتهم من مال وعرض ونفس وعقل ودين، بل مطلوب منها أن تقوم بحماية هذا كله، وان تأخذ على يد من ينتهك هذه الحريات وتوقع العقوبة الشرعية وهي انما استحقت العقوبة الشرعية لقيامها بهذا التطبيق لأوامر الشرع ونواهيه إيجابا أو سلبا، والصيام – الذي نحن بصدد الكلام فيه – أمر مطلوب على سبيل الفرضية من كل أحد من المسلمين، مطلوب منه أن يمتنع ليس عن الاكل والشرب فحسب، بل عن خدش الحياء وانتهاك المحارم، وعن النظر إلى عورات الناس وغيبتهم أو تميمتهم، وحفظ نفسه وصيانتها عن ذلك كله، لان الفروض الشرعية مطلوب منها التأثير في نطاق الفرد والمجتمع فحقيقة الصلاة انها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” اخرجه البخاري. وإذا كان هذا هو الصيام المطلوب من الفرد فإن الدولة مطلوب منها أن تصوم أيضا فتمتنع عن كل ما من شأنه خدش حياء الناس ومحارم الله، فتحفظ عورات المسلمين وتقي انظارهم مشاهد الفحش والمنكر واسماعهم الغيبة والنميمة كي لا يتعكر صفو القلوب المؤمنة فلا تسمع إلا طيبا ولا ترى إلا طيبا، فلا بد من جو الفضيلة والعفة حتى تتكامل الفروض ويؤدي الناس عباداتهم كما أرادها الله عز وجل. الصيام معنى شامل والسؤال الذي يفرض نفسه: ما مقدار صوم دول المسلمين الان، وما مقدار فطرها؟ والجواب: ان الصيام معنى شامل لكل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أو بمعنى اصح ان صيام الدولة يعني تطبيقها شرع الله بالجوانب الإيجابية والسلبية، والواقع ان الدول الآن مفطرة في كثير من النواحي سواء في الأسلوب الإداري لجهازها او في نمط الحياة الاجتماعي وقس عليه السياسي والاقتصادي، ونقصد بالإفطار هنا ضد الصيام فهو بمعناه الواسع يعني انتهاك كل ما هو محظور وحظر كل ما هو مطلوب شرعا، وهو بهذا المعنى موجود في بعض الدول الإسلامية، ويوجد الإفطار بمعناه الضيق في البعض الآخر بمعنى ترك الناس وشأنهم وعرض الصالح والطالح امامهم يأخذ منه الناس ما يأخذون ويتركون منه ما يشاؤون. وفي كلا الامرين في معنى الإفطار فإن الدولة لا تعد صائمة ما دامت تزاول نوعا من أنواع الإفطار. التلفزيون مثلا تطبيقي وإذا اردت الناحية التطبيقية لهذا المفهوم السابق ولتعرف من أي الأنواع تلك الدول فخذ جهازا من أجهزتها وأجر عليه ما سبق. خذ التلفزيون مثلا كأداة حكومية تزاول من خلاله الدولة أداء مهمة خطيرة في المجتمع وانظر هل الدولة صائمة من خلاله، أم تنتظر الصائمين يومهم حتى تفسد عليهم ليلهم وتهتك حجب عفتهم وتقضي على بوادر الخير التي بذرته مع آنكار يوم صومهم…؟ وهكذا في كل جهاز حكومي.. فإذا وجدت أن الدولة صائمة – حسب المفهوم السابق – فاحمد الله وإذا وجدت غير ذلك فاسأل نفسك: مسؤولية من أفطار الدولة؟ د. عجيل جاسم النشمي

Scroll to Top