ترشيح المرأة في مجلس الأمة

يستثنوا من ذلك امرأة ولا قوما ولا شأنا من الشئون العامة كالإمامة (رئاسة الدولة الإسلامية) والقضاء وقيادة الجيوش وما إليها. وهذا الحكم لم ينط بشيء وراء الانوثة وواضح ان الانوثة ليس من مقتضاها عدم العلم والمعرفة ولا عدم الذكاء والفطنة حتى يكون شيء من ذلك هو العلة، لان الواقع يدل على أن للمرأة علما وقدرة على أن تعلم كالرجل وان لها ذكاء وفطنه كالرجل، بلى قد تفوق الرجل، فلا بد أن يكون الموجب لهذا الحكم شيئا غير ذلك. المرأة – بمقتضى الخلق والتكوين – مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها وهي مهمة الأمومة وحضانة النشئ وتربيته، وهذه قد جعلتها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة، وهي مع ذلك تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والاعوام، ومن شأنها أن تضعف قوتها المعنوية وتوهن من عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به، وهذا شأن لا تنكره المرأة من نفسها. ولهذا فإن الشريعة بنت على الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة في كثير من الأحكام، إذ جعلت القوامة على النساء للرجال، وجعلت حق الطلاق للرجل دونها ومنعتها السفر من غير محرم أو زوج أو رفقة مأمونة ولو كان سفرها لأداء فريضة الحج، وجعلت لها حق الحضانة للصغار دون الرجل، وأوجبت على الرجل حضور الجمعة والجماعة والجهاد ولم توجب عليها شيئا من ذلك. واستند بعض الفقهاء المعاصرين إلى الأدلة الأتية: أولا: قول الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم). وتوجيه هذه الآية هو أن الرجال والنساء شركاء في سياسة المجتمع، فللمرأة الولاية العامة مثل الرجل في قوله تعالى “بعضهم أولياء بعض” تأمر بالمعروف كما يأمر، وتنهى عن المنكر كما ينهى، وأعمال السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ليست إلا أوامر بالمعروف ونواهي عن المنكر، أحيانا بالتشريع والاجتهاد في معرفة الأحكام، وأخرى بالقضاء والفصل في الخصومات، وثالثة بالتنفيذ والالزام. ثانيا: بايعت المرأة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما بايع الرجل، في بدء الإسلام وأمر الله سبحانه رسوله بقبول بيعتها، بقوله تعالى (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن… الآية). وقد روى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يتعهد النساء بهذه البيعة في أيام الأعياد. ثالثا: أجاز الرسول – صلى الله عليه وسلم – للمرأة أن تمثل جماعة المسلمين وتتحدث وتعطى الأمان الملزم باسمهم، حين قال لأم هاني: “قد أجرنا من أجرت يا أم هاني..”. رابعا: شاركت المرأة – بمقدار ما تزردت به من علم ومعرفة – في الحياة العامة ومسئولياتها في عهد الصحابة – رضوان الله عليهم – ومن تبعهم بإحسان من غير اختلاط مريب ولا تبرج فاضح. يروي ابن ابي يعلى: أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ركب منبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: “أيها الناس، والمهور فيما بينهم قليلة، ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت عن الزيادة في مهور النساء، فقال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ حيث اعطانا بالقنطار في قوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا، فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)، فقال عمر: اللهم غفرا، أكل الناس أفقه من عمر؟ ثم رجع فركب المنبر وقال: كنت نهيتكم أن لا تزيدوا في المهور على أربعمائة درهم، فمن شاء فليفعل. فهذه امرأة تحضر مع أخوتها وأخواتها إلى المسجد الجامع – وقد كان مصلى ودارا للشورى والسياسة – وتشترك مع أهل الحل والعقد برأيها الصائب، فيأخذون به من غير أن ينكر عليها أحد في ذلك مما يعتبر اجماعا سكونيا منهم على جواز مشاركة المرأة في الحياة العامة وسياستها. وقد كانت أم المؤمنين: الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها فقيهة مجتهدة تسأل ويؤخذ عنها بل أنها خرجت تطالب بإقامة الحد على البغاة الذين قتلوا الخليفة الثالث عثمان ابن عفان – رضي الله عنه – إطفاء للفتنة واصلاحا بين الناس. وقد استأذن عليها رسولا أمير البصرة، فأذنت لهما، فدخلا وسلما وقالا: ان أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك هذا؟ أعهد عهده إليك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أم رأى رأيته؟ فقالت: بل هذا رأى رأيته… خرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من اصلاح وقرأت “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتية أجرا عظيما” فهذا معروف امركم به، ومنكر ننهاكم عنه. فهذه زوج الرسول وبنت الصديق وأقرب الناس إليهما وهي الفقيه المجتهدة ترى لنفسها – كامرأة – ان نشارك في أمور السياسة والحكم إلى حد الخروج على رأس الجيش للقتال ومعها الزبير وطلحة وغيرهما من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . وإذا كانت قد ندمت على هذا الخروج فما كان ندمها لأنها أخطأت في اجتهادها ولا لأنها ارتكبت ذنبا واثما وانما كان لعدم ……… مقصدها وهدفها وهو إطفاء الفتنة وجمع الكلمة. ثم هذه زوج عثمان – رضي الله عنه – تسمع مروان بن الحكم يشير عليه برأي غير سديد فتعارض وتشير بغيره، فيقول لها مروان: أسكتي أنت، لا شأن لك، فيقول عثمان: دعها فأنها انصح لي منك. ثم هذه الشفاء بنت عبد الله يوليها الفاروق عمر ولاية …. في السوق وهي وظيفة عامة تمنع بمقتضاها الغش والتدليس والربا والاحتكار. وإذا كان التاريخ لم ينقل إلينا حوادث كثيرة وإذا كانت الظروف الاجتماعية السائدة قديما لم تفسح المجال لعمل المرأة في هذا الشأن، فإن ذلك لا يمنع دلالة هذه الحوادث التاريخية – التي لا خلاف في حدوثها وصدقها – على سلامة المبدأ، وعدم مجافاته لروح الشريعة الإسلامية. خامسا: ان كثيرا من الأحكام الشرعية قد انفردت المرأة بروايتها عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصبحت هذه الاحكام عند جميع الفقهاء دينا يتعبد به وشريعة يعمل بها وإذا كانت مقبولة الرواية الملزمة للمسلمين كانت أهلا للتطبيق والتنفيذ. وقد أؤتمنت المرأة وحدها على أقدس المقدسات الإسلامية، وهو القرآن الكريم، حيث وضعت النسخة الوحيدة من المصحف الكريم عند أم المؤمنين حفصة وبقيت عندها مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – . سادسا: ان للمرأة قدرة على الحوار والجدل ….. وقولا سمعه الله سبحانه “قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير”، ومن المصلحة الاجتماعية مشاركتها بهذا الرأي في ظل الآداب والكرامة. هذه أبرز الأسانيد والمناقشات في هذا الشأن بين من قصر الترشيح على الرجل ومن اشرك المرأة مع الرجل في الترشيح للمجالس النيابية.(1) ومن خلال أدلة الفريقين يتبين أن عدم وجود نص صريح يحرم على المرأة دخولها المجالس النيابية، ويتبين كذلك أن المرأة لم تكن تعني بالشؤون السياسية في صدر الإسلام فلم تجتمع المرأة مع الصحابة رضوان الله عليهم في سقيفة بني ساعدة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم للتشاور فيمن يختارونه خليفة لهم، ولم تشارك الرجال في هذا الشأن ولم يجمع الخلفاء الراشدون في عصرهم النساء لاستشارتهم في قضايا الدولة كما يفعلون ذلك مع الرجال.(2) ومبايعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – للنساء التي وضع القرآن شروطها لا دليل فيها على اشتغال المرأة في السياسة أو نوليها للولايات العامة، لأنها ليست إلا عهدا من الله ورسوله قد أخذ على النساء بعدم مخالفة أحكام الله وتجنب الموبقات المهلكات التي فشيت في العرب قبل الإسلام، بل إن هذه المبايعة تدل على التفرقة في الأعمال بين ما ينبغي أن يكون للنساء وما ينبغي أن يكون للرجال، ذلك أن مبايعة النساء كانت عقب فراغ النبي صلى الله عليه وسلم من مبايعة الرجال أولا على الإسلام والجهاد، وعلى ألا يفروا من الموت وهو الأمر الذي يليق بهم وينتظر منهم. وخروج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في موقعة الجمل وقيادتها للجيش ليس في دليل شرعي على تولي المرأة الولايات العامة واشتغالها بالسياسة، فإن خروجها كان عن اجتهاد منها للمطالبة بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد دفعها إلى ذلك أنها كانت ساخطة على خطة التريث وعدم المبادرة بالبحث قبل كل شيء عن قتلة عثمان والاقتصاص منهم، وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج فاعترفت بخطئها وندمت على خروجها. ويضاف إلى ذلك ما يقوله أنس – رضي الله عنه – : أتت النساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال: “…… احداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله”.(1) وسبب عدم ممارسة المرأة حقها السياسي في الإسلام هو ان المرأة ادركت واجبها الأول في الحياة وهي ان تكون أما ربة بيت وان من الخير لها ولأسرتها وللمجتمع أن تتفرغ لشئون الأسرة وتهتم بها ولذلك أسقط الله عنها تكاليف المعيشة فألزم زوجها الانفاق عليها – مع أنها أهل لأن تبيع وتشتري وتزاول أعمال الكسب – كما ألزم اباها بالانفاق عليها حتى تتزوج لتكون متمرسة بأعمال البيت تحت اشراف أمها، وبهذا الموقف الحكيم صان الإسلام كرامة المرأة فلم يسلبها حقوقها وصان سعادة الاسرة فلم يلزم الزوجة بترك البيت لتشتغل بشغل آخر مما يعمل فيه الرجال من سياسة أو غيرها. ومن المؤكد حتما طبقا للنظم المعمولة في المجالس النيابية ولائمة مجلس الأمة الكويتي أن المرأة إذا أصبحت نائبة في المجلس فسوف يشغلها منصبها انشغالا يكاد يكون كليا عن أولوياتها التي تناسب طبيعتها ووظيفتها الأساسية. بالإضافة إلى اختلاطها بالأجانب عنها وبخاصة الخلوة مع الأجنبي، وتركها للبيت خلال أكثر النهار والليل وسفرها إلى مؤتمرات برلمانية من غير محرم معها. والإسلام يجعل للمصلحة العامة الاعتبار الأول في التشريع، فما كانت تقتضيه المصلحة اباحة وما لا تقتضيه المصلحة منعة أو حذر منه، ومضار ترشيح المرأة أكثر من الفوائد وهذا لا جدال فيه ولا يحتج لعى هذا بأن المرأة حاليا تتقلد مناصب كبيرة وقيادية، وتخرج للعمل وفق النظم الحالية لان هذا يؤدي إلى نفس انشغال المرأة فلا تقام به حجة، لأن الإسلام في تشريعاته انما يبنى احكامه على أصول ثابتة، ويستنبط قوانينه من مصادر معينة ولا يجارى ما يصدقه الناس ولا ما يجرى في عرف أمة إلا أن يكون شيئا تقره تلك المصادر والأصول، أو على الأقل لا يخالفها ولا يهدم ركنا من أركانها، ومصادر شريعتنا هي الكتاب العزيز والسنة الصحيحة وما يرجع إليهما من الأدلة، وهذه المصادر والأدلة لا تضعف عن النظر فيما يجد في الحياة من مشاكل ولا تأبى الأخذ بما فيه من مصلحة إلا أن تكون مصلحة براقة تلوح لبعض الأنظار من بعض النواحي على حين تلازمها مفسدة مثلها أو أعظم منها، فمثل هذه المصلحة تلغيها الشريعة ولا تأبه لها.(2) والله أعلم… د. خالد المذكور

Scroll to Top