خائفة من كل شيء
الدين للحياة، فهو أساس استقامة المجتمع الإنساني على منهج الله في كل ما يصدر عن المجتمع من نشاطات في مختلف المجالات..
أمام هذه الشمولية للإسلام، كان من الضروري أن يعرف قارئ “الإيمان” موقف الشرع من مختلف قضايا الحياة، المباح منها والمحظور، وهو ما يوضحه فضيلة الدكتور خالد المذكور من واقع أسئلة القراء..
قارئة بعثت إليَّ برسالة بتوقيع “خائفة” تنبئ عن خوفها الشديد من كل شيء وسؤالها هو: هل الذهاب إلى المطوع ليعالجني يفيد في هذا أم لا؟
أختي الفاضلة” أولا أود أن أقول لك: إن المسلم أو المسلمة لا يخاف إلا من الله.
فكلمة خائفة أو معذبة أو محتارة أو أي توقيع ينبئ عن الغلو والاضطراب يجب ألا يكون من المسلم أو المسلمة.
فالمسلم المعتصم بالله، المتمسك بمنهجه لا يكون خائفا ولا معذبا ولا محتارا، بل يبقى مطمئنا واثقا بالله تعالى في السراء والضراء، يواجه مصاعب الحياة بقلب مؤمن صلب وعقل متفتح حاضر وإرادة قوية بالله تعالى، يعالج نفسه من شهواتها، ويقوي إرادته بفضل الله.
حالتك يا أختي الفاضلة معك منذ الصغر، فلا تتركي نفسك وحيدة رهينة للوساوس والخيارات، بل كوني قدر الإمكان في وسط الناس، واشغلي نفسك بالقراءة الهادفة، أو عمل البيت، واقرئي القرآن الكريم، وهذه الحالة بإذن الله تعالى ستزول مع مرور الأيام.
أما سؤالك عن الذهاب إلى المطوع أم لا، فمن هو هذا المطوع وما عمله؟
إذا كان سيقرأ عليك القرآن كرقية ويأخذ منك نقودا فلا تذهبي إليه، وإن كان عمله هو من قبيل الخرافات الخزعبلات فمن باب أولى عدم الذهاب إليه؛ لأن المتاجرة بآيات الله وكتابة التعاويذ وأخذ مال على ذلك لا تجوز، أما إذا كان هذا المطوع رجلا صالحا ناصحا بعيدا عن الخرافات والبدع الخزعبلات وتسمعين منه نصيحة تفيدك في حالتك دونما أخذ أجر أو مال على ذلك فلا بأس.
كعرض السموات والأرض
الأخ د. ر. ج: يسأل في رسالته سؤالين هما:
1 – ما معنى قوله تعالى” … وجنة عرضها كعرض السماء والأرض..”.
2 – قرأت في بعض التفاسير أن الله سبحانه وتعالى أحيا على يد نبي الله عيسى بن مريم الموتى ومنهم سام بن نوح، فهل ظل على قيد الحياة بعد إحيائه؟
أقول: جوابا عن السؤال الأول يقول الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد:21).
يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية نقلا عن ابن عباس يقول: تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله.
ويقول نقلا عن يعلي بن أبي مرة قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى النبي ﷺ بحمص شيخا كبيرا قال: قدمت على رسول الله ﷺ بكتاب هرقل فناول الصحيفة رجلا عن يساره قال: فقلت من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية فإذا كتاب صاحبي يقول: إنك كتبت تدعني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار، فقال رسول الله ﷺ “سبحان الله فاين الليل إذا جاء النهار” وبمثل هذه الحجة استدل عمر بن الخطاب على اليهود حين قالوا له ارأيت قولكم “وجنة عرضها السموات الأرض”.
وقول الرسول ﷺ “سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار” يحتمل معنيين أحدهما: ألا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه وكذلك النار تكون حيث شاء الله تعالى.
المعنى الثاني: أن النهار إذا جاء العالم من جانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات والأرض تحت العرش، والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض ووجود النار، والله أعلم.
وأما جواب سؤالك الثاني: فيقول الله تعالى عن بشارة الملائكة لمريم عليها السلام ووصفهم للمسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:49)
فعمل الطين كهيئة الطير والنفخ فيه حتى يكون طيرا وإبراء الأعمى والأبرص – والبرص هو بياض يكون في الجلد-، وإحياء الموتى كل ذلك من معجزات نبي الله عيسى عليه السلام لأن عيسى عليه السلام بُعِث في زمن الأطباء، وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من المعجزات من جنس ما نبغوا به، ولكنهم لا يستطيعون أن يتوصلوا إلى إحياء الموتى فجعل الله تعالى معجزة كبرى لعيسى وهي إحياء الموتى وقد صدقوه عندما عرفوا أن هذا ليس من الطب وفوق الطب.
أما من أحياهم الله سبحانه وتعالى لأجل هذه المعجزة كم عددهم؟ وهل عاشوا لحظة؟ أم استمروا في الحياة سنين؟ فهذا كله علمه عند الله، وليس هناك دليل يدل عليه، وما ورد في بعض كتب التفسير كالقرطبي فهو ضعيف بدليل قول القرطبي “وقيل” وهذا يدل على ضعف الرواية.
ويا أخي الفاضل: ليست هناك آية في كتاب الله كما ذكرت في رسالتك أنهم إليها لا يرجعون، حتى تتعارض مع معجزة عيسى عليه السلام.




