تمر علينا ذكرى ذلك الغزو المشئوم الأسود الذي احتل الكويت في الثاني من أغسطس ونحن إن شاء الله أشد إيماناً وأقوى عزماً وأمضى قوة وأكثر اعتباراً واتعاظاً لمحدثات الليالي والأيام.
ونحن في هذه الذكرى الأليمة، ذكرى الظلم والطغيان والاعتداء والاحتلال، والبغي والعدوان نبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يرحم شهداءنا، وأن يتقبلهم عنده بقبول حسن وأن يغسلهم بالماء والثلج والبرد، وأن ينقيهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يبدلهم داراً خيراً من دارهم، وأهلاً خيراً من أهليهم وأن لا يحرمنا أجرهم ولا يفتنا بعدهم، ويعظم لنا الأجر إن شاء الله.
كما نبتهل إلى الله تعالى أن يفك قيد أسرانا وأن يعيدهم إلى وطنهم وإلى أهاليهم وأولادهم وأمهاتهم وزوجاتهم سالمين غانمين آمنين مطمئنين كي تقر أعيننا وتزداد فرحتنا ويشاركوننا بناء بلدنا الحبيب وتعميره، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والمؤمن الصابر عندما تمر عليه مثل هذه الذكرى وما جلبه عليه ذلك العدوان الغاشم من قتل للنفوس البريئة، وهتك للأعراض الغالية، ونهب وسرقة للأموال، وتخويف وتهديد، وتعنت وضيق فإنه يحتسب كل ذلك عند الله سبحانه الذي لا تضيع عنده الأعمال والذي يكثر له الجزاء والثواب على ما قدم.
إن في المصائب والمحن منحاً ودروساً وعبراً ينبغي على المتأمل المتعظ أن يستذكرها، وبحلول هذه الذكرى نتذكر تلك المنح والإيجابيات الكثيرة التي ظهرت إبان الاحتلال وخلال تلك المحنة القاسية.
نتذكر في بادئ الأمر قوة إيماننا وإقبالنا على الله جل وعلا بقلوب مخلصة وبنفوس واعية واللجوء إليه سبحانه بدعائنا الذي ارتفع إلى عناء السماء، راجين من الله أن يفرج عنا ما نحن فيه، ونعيد ذكرى ذلك الود والحب في الله خلال اجتماعنا في المساجد ونحن نتفيأ ظلالها عارفين جازمين أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه وهذا الإيمان زادنا في كل حياتنا في السراء والضراء.
نسترجع في ذكرى المحنة منحة الود والمحبة والتلاحم والتراجم والتآزر والتآلف والتعاطف التي ظهرت خلال هذا الشعب الكريم الأصيل.
نستذكر ما قام به شبابنا ورجالنا ونساؤنا وأطفالنا في تلك المحنة القاسية من إدارة شؤون البلد، كلٌ في موقعه، وتوزيع المؤن والمساعدات والخدمات الضرورية وقد من الله على بعضنا وأكرمه بالشهادة في سبيله وهو يدافع عن نفسه وعرضه ووطنه وممتلكاته ويدفع هذا الصائل المندفع، وذلك اللص الشرس، وتلك النفوس الدنيئة الرديئة المستعينة بقوة سلاحها وشراسة نفوسها، ونهم شهواتها، فاختار الله جلت قدرته من بيننا الشهداء لكي يميزهم ويؤجرهم ويؤجر أهاليهم.
واختار سبحانه من بيننا الأسرى لكي يثقل بالحسنات ميزانهم، وإن المعاناة التي يلقاها الأسير في سجون الطاغية الظالم، والتي تلاقيها أم الأسير ووالده وزوجته وأبناؤه إنما تكتب عند الله سبحانه وتعالى حسنات مدخرة لهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن منح الله سبحانه وتعالى في المحنة ما وجده أبناء هذا البلد من إخوانهم في مجلس التعاون الخليجي في المملكة العربية السعودية وفي الإمارات والبحرين وقطر وعمان وفي مصر وسوريا سواء من كان خارج الكويت قبل الاحتلال أو خرج منها بعد الاحتلال، فقد وجد المجتمع أخوة لهم في الله آنسوا وحشتهم وآمنوا خوفهم ووحدوا معهم صفوفهم، فلله الحمد والمنة على أن هذه الأزمة قد وحدت بين صفوفنا على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى مستوى الدول العربية التي ساندتنا ووقفت مع الحق والعدل ضد الظلم والطغيان.
إن فضل الله وعطاياه ومنحه كثيرة في هذه المحنة ومن أعظمها ذلك التعاطف الذي ساد العالم جميعاً مع قضيتنا العادلة، فقد كان يدعو الله معنا الفقير والمسكين الذي كان يتلقى مساعداته من الكويت، كان يدعو معنا اليتيم الذي كفلته أيادي الخير في الكويت، كانت تدعو معنا تلك الأرملة التي فقدت زوجها وحولها أطفالها ويصلها رزقها من الكويت، كان يدعو معنا من انقطع رزقه ورزق عياله من خلال عمله في الكويت الآمنة المطمئنة، كان يدعو معنا العالم كله وهذه نعمة جليلة وكبيرة يجب أن تشكر.
ونعتبر من خلال هذه المحنة أن الله جلت قدرته وهو الجبار القهار، سخر لنا قوى العالم جميعاً بفضل منه ونعمة ثم بفضل رجوعنا إليه سبحانه وخشوعنا وتذللنا وخضوعنا والتزامنا بشريعته فبين لنا أنه القادر على كل شيء “وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر”.. فشكراً وتقديراً للذين وقفوا معنا وناصروا المظلوم على الظالم والحق والعدل على الظلم والطغيان والباطل وينبغي أن تكون هذه الذكرى دافعاً لنا إلى العمل الصالح الذي يرضى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون هذه الذكرى دليل إيمان ودليل قوة ودليل تلاحم وتراحم وتكافل، ودليل تغيير إلى الأحسن والأفضل في جميع مناحي حياتنا “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” وأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وحينما ندعو إلى التآلف والتراحم في هذا المجتمع بعد أن مَنَّ الله علينا بالنصر والتحرير ندعو كذلك إلى التريث في القول والعمل وفي الحكم على تصرفات الناس وإلى عدم الغيبة والنميمة وإلى الحرص كل الحرص على أن يؤدي كل ذي عمل عمله مخلصاً لله تعالى، لا يبغي من وراء ذلك إلا أن يؤجره الله على حسن عمله.
رئيس اللجنة الاستشارية العليا
فلنحسن النية ولنحسن القصد ولنكن معتبرين لهذه المنح الكثيرة، وليكن كل منا مرآة أخيه ينبهه إلى الخير ويوقظه من سبات ويرشده إلى ما يحبه الله ويرضاه بالحكمة والموعظة الحسنة وبعدم نشر الإشاعات والمغالطات فإن رقيبنا هو الله وحسيبنا هو المطلع على ما في الضمائر والنفوس “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”.
د/ خالد المذكور




