انطلق، مساء أمس الإثنين، في جمعية الإصلاح الاجتماعي، ملتقى “عزِّز يقينك 2″، تحت رعاية رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي د. خالد مذكور المذكور.
وفي هذا الصدد، أكد د. خالد المذكور، رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، أن ملتقى “عزز يقينك” يأتي إسهاماً من قطاع الدعوة والتثقيف الشرعي في الجمعية لتعزيز الانتماء للإسلام، وتحصين الشباب، والحديث عن قواعد الحوار والمناظرة، ثم التطرق إلى تساؤلات شرعية حول الحجاب وفقه الحرية واليقين والسلام النفسي.
ومن جانبه، قال رئيس قطاع الدعوة والتثقيف الشرعي بجمعية الإصلاح الاجتماعي د. حمد المزروعي: إن هذا الملتقى يتحدث عن مسائل متنوعة، منها أصول وقواعد المناظرة والحوار، ويتطرق إلى الحجاب وتساؤلات شرعية حوله، فيما يتطرق د. عجيل النشمي إلى فقه الحرية، وما ضوابط الحرية للإنسان المسلم؟ ويتطرق د. عادل الزايد إلى اليقين عند المسلم.
هذا، وقد أكد أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية التربية الأساسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. علي السند أن المناظرة إحدى وسائل اليقين والدعوة إلى الله، فقد قال الله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125)، مشيراً إلى أن الآية الكريمة استوعبت كل أساليب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال الله تعالى أيضاً: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108)، ويقول الإمام الطاهر ابن عاشور: “البَصِيرَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنى فاعِلَةٍ، وهي الحُجَّةُ الواضِحَةُ، والمَعْنى: أدْعُو إلى اللَّهِ بِبَصِيرَةٍ مُتَمَكِّنًا مِنها، ووَصْفُ الحُجَّةِ بِبَصِيرَةٍ مَجازٌ عَقْلِيٌّ، والبَصِيرُ: صاحِبُ الحُجَّةِ لِأنَّهُ بِها صارَ بَصِيرًا بِالحَقِيقَةِ”.
وأوضح د. السند أن القرآن دفعنا دفعاً نحو طلب الحجة والدليل والبرهان والمجادلة بالتي هي أحسن، بل إن مادة جدل في القرآن بتفريعاتها جاءت في القرآن 29 مرة، فضلاً عن الآيات التي تحكي حكايات الأنبياء مع أقوامهم؛ مثل حوار سيدنا موسى مع النمرود، وحوار سيدنا يوسف مع إخوته، مؤكداً أن القرآن الكريم يعزز في عقلية المسلم فكرة الحوار والمناظرة والمناقشة، مبيناً أن السُّنة النبوية ذمت الجدل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ”.
وأشار إلى أن العلماء تحدثوا عن أن الجدل المقصود هنا هو الجدل في الباطل، وذلك أن كل العلماء جادلوا وقد استمع الله للمجادلة، فقد قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) (المجادلة: 1)، وقال أيضاً: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت: 46).
لذلك، قال ابن الأثير في تعليقه على الحديث: “الجدل على الباطل”، ويقول الإمام المناوي في تعليقه على الحديث المراد بالجدل هو “التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوماً عنده أو تعليم غيره ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث”.
وأوضح د. السند أن المسلمين عرفوا في دينهم علماً يسمى “علم آداب البحث والمناظرة”؛ لأنهم وجدوا أن ما في كتاب الله يدفعهم إلى مثل هذا العلم، ولذلك قاموا بمؤلفات عدة في هذا البحث، وكان يدرس في الجامعات والأزهر، مبيناً أن العلماء كتبوا في هذا العلم وقاموا بتعريفه، موضحاً أن العلماء عرفوا المقصود بالمناظرة، فالإمام الزبيدي في “تاج العروس” أفرد 4 صفحات فقط للحديث عن مادة “نظر”، التي اشتقت منها المناظرة، فقال: إن النظر في اللغة يأتي بأربعة معانٍ؛ مثل النظر بالعين الباصرة، والنظر بمعنى البصيرة، والنظر بمعنى الانتظار ومنه قوله تعالى: (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) (الحديد: 13)، وتأتي مادة نظر بمعنى النظير، ومنه قول السلف: “لا تناظر بكتاب الله شيئاً”؛ بمعنى ألا تجعله نظيراً، ولذلك تحدثوا عن هذه المعاني، وقالوا: إن كل هذه المعاني اللغوية نحتاجها في المناظرة.
وتحدث د. السند عن قواعد المناظرة، ومنها البدء بتحديد موضوع المناظرة الكلي والجزئي، ويسمى العلماء هذا الشرط بترتيب البحث، ومن هنا يتحدث العلماء عن تحرير محل النزاع، فأكثر المناظرات تفشل؛ لأن كل طرف من المتناظرين يتحدث عن الموضوع من زاوية مختلفة عن الزاوية المقصودة، أما القاعدة الثانية فتتمثل في ضبط التصورات، فعلم المنطق ينقسم إلى تصورات وتصديق، فيجب أن تكون التعريفات والتقسيمات واضحة، فالحكم عن الشيء فرع من تصوره، فالوقوف على المصطلحات وتحديدها والاتفاق عليها نصل من خلالها إلى نصف المناظرة.
أما القاعدة الثالثة فهي البدء بالأصول قبل الفروع، فهل من الممكن أن نناقش أحداً في فرضية الحجاب وهو في الأصل غير مسلم، ويقودنا إلى جزئية أخرى تتمثل في تحديد المرجعية؟! أما القاعدة الرابعة فهي مناسبة الدليل لنوع القضية؛ إما الدليل العقلي أو النقلي، أما القاعدة الخامسة فهي التناسب في العلم بين المتناظرين، مؤكداً أن هناك علوماً مهمة أيضاً يجب على المناظر أن يكون على دراية بها وهو علم المنطق.
ومن جانبه، قال د. عيسى زكي، عضو الهيئة التدريسية في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب: اليقين لا يصل إليه الإنسان إلا بالشك، وهو حينما يتردد بين أمرين ويظهر له ما يرجح أحدهما على الآخر، فإذا وفق إلى ما يجعله يقطع اليقين على المرجح فيدخل مرحلة اليقين، فالأحكام الشرعية إما أن تكون قطعية الدلالة؛ بمعنى أنها لا تحمل إلا حكماً واحداً، مثل قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275)، لكن في بعض النصوص هي ظنية الدلالة، فعندما نأتي إلى موضوع العقائد فالعقائد لا تقبل الظن في الدلالة.
وأوضح زكي أن هناك أحكاماً قائمة على أدلة ظنية من كتاب وسُنة رسوله، ولكنها بلغت حد القطع في تسليم الظن بها حتى إنها أصبحت في قطعيتها واجبة، مشيراً إلى أن من أنكر المعلوم من الدين بالضرورة فإنه يعتبر مرتداً عن الدين؛ لأنه كذب الله فيما قال، وأساس الردة عند الفقهاء هو في تكذيب الله عز وجل أو تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبيناً أن الحجاب هو من المعلوم من الدين بالضرورة، فقد أصبح معلماً شرعياً للأمة الإسلامية مع أنه كان موجوداً في الأمم السابقة.
وتتطرق زكي إلى الحجاب ووجوده في الأمم السابقة، حيث قال: فالراهبات في الكنائس وبعض الطوائف اليهودية عندما تنظر إليهن تجدهن يلبسن الحجاب أو النقاب، فهذا التوارد على موضوع الحجاب يجعله معلوماً من الدين بالضرورة، وهذا المدخل يجعلنا نقول: إن الظاهرة موجودة في كل دول العالم.