تحقيق مهدي عبد الستار:
آثارها التدميرية على الفرد والأسرة والمجتمع جعلت منها أخطر قضايا العصر، فهي لا تتوقف عند الإضرار بمن تستعبده، وإنما تتخطى ذلك إلى التأثير سلبا على كل ما حوله.
إنها لعنة المخدرات التي تستهدف الشباب غالبا، وتحرم المجتمعات الإنسانية من فتوة وقدرة أبنائها على العطاء.
وقد استعرضنا في هذا التحقيق على صفحات العدد الماضي آراء عدد من رجال الشريعة والمتخصصين حول هذه القضية وخطورتها، ونتابع معا باقة أخرى من هذه الآراء حيث يطالب رئيس اللجنة العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الدكتور خالد المذكور بدور فعال لمحاربة هذه الظاهرة على كل المستويات، والعمل على تشديد العقوبات للحد من انتشارها.
كما يعتبرها الشيخ عبد العزيز الهده أخطر القضايا التي تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم، ويطالب بمناهج دراسية تحمي الأبناء من آفة العصر.
في البداية يؤكد رئيس لجنة تطبيق الشريعة د. خالد المذكور مدى خطورة القضية مشيرا إلى أن آثارها السلبية تؤدي إلى الخراب والدمار للفرد والأسرة وبالتالي تدمير أساسيات المجتمع بشكل عام.
وطالب د. المذكور المجتمع بدور جماعي فعال لمحاربة هذه الآفة موضحا أن العلماء يقع على عاتقهم تعريف الناس بحرمة المخدرات ومحاربة الشريعة لهذه السموم التي تفتك بالعقول والتي جاء التشريع الإسلامي للحفاظ عليها ضمن الضرورات الخمس وهي: العقل والمال والدين والأنساب.
ويضيف د. المذكور: كما أن رجال الإعلام يقع على عاتقهم أيضا تحذير الناس من خطر المخدرات باستخدام كل السبل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة أيضا، في حين أن رجال اللجان النيابية مطلوب منهم سن القوانين التي تتفق ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتأتي بعقوبات صارمة لتكون رادعا قويا لكل من تسول له نفسه ترويج هذه السموم أو الاتجار فيها أو تعاطيها.
وبين د. المذكور أن من جملة إنجازات اللجنة تعديل قانون الجزاء الذي تدخل تحته عقوبة تاجر المخدرات، كما طالب د. المذكور بتشديد العقوبة للحد من انتشار هذه الآفات التي تكون محصلتها النهائية خسارة في الدنيا وعقاب شديد في الآخرة.
استهداف الشباب المسلم
ويتفق الشيخ عبد العزيز الهده مع د. خالد المذكور في أن ظاهرة الإدمان من أخطر القضايا التي تواجه المجتمعات الإنسانية عامة والإسلامية خاصة مشيرا أن هناك استهدافا لشباب المسلمين في المجتمعات الإسلامية لهدم هذه الدعائم والقضايا عليها بالموت البطيئ.
وقال الشيخ الهده: يجب أن يكون هناك موضوعات من المناهج الدراسية تتناول آثار ومخاطر هذه الداء لتحذر منه وتبين الأبواب التي يمكن أن يأتي منها مثل رفقاء السوء واستدراج تجار السموم لضحاياهم بأساليب خبيثة، ليكون شبابنا محصنين ضد المؤامرات التي تحاك ضدهم من قبل هؤلاء الذين تجردوا من كل القيم الإنسانية ويريدون أن يبيعوا اوطانهم ودينهم من أجل الحصول على المال.
محاور القضية
من جهتها كشفت الأخصائية الاجتماعية بمركز تنمية المجتمع بمنطقة القرين فاطمة فهد العازمي عن جملة الأسباب التي تؤدي إلى إدمان المخدرات أو تساعد عليه فقالت: إن هناك محاور ثلاث يؤدي أي خلل فيها إلى ظاهرة الإدمان وهي: الأسرة، والفرد، والمجتمع، مشيرة أن التفكك الأسري وغياب أحد الوالدين وكثرة المشاكل الأسرية وانعدام الرقابة على الأبناء مع وفرة المال وغياب التوعية الدينية والقدوة الحسنة، والاعتماد على الخدم في تربية الأطفال هي الأسباب المؤدية للإدمان من جهة الأسرة في الوقت الذي كانت فيه أسباب الإدمان المتعلقة بالفرد هي ضعف الوازع الديني، وسوء استغلال وقت الفراغ، واختلاط برفقاء السوء، وكثرة السفرات التي يصاحبها التردد على أماكن السوء واللهو إضافة لاضطراب الشخصية وتعاطي المخدرات كحل للهروب من المشكلات.
مخاطر الإدمان
في حين ترى الأخصائية الاجتماعية نعيمة أحمد أن النتائج التي تترتب على الإدمان نتائج خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع وتقول: إن أول ما يحصده المدمن من شرور هو ضياع أمواله في شراء المخدرات واكتساب الكثير من الصفات السيئة كالكذب والسرقة والغش والخداع مما يترتب عليه ضياع مستقبلة، إضافة للإصابة بالكثير من الأمراض التي تؤدي إلى تشتت الذهن والكسل، وقد يودي بحياته مبكرا نتيجة لما يسببه المخدر لجسم الانسان من أمراض فتاكة.
وتضيف الأخصائية الاجتماعية نعيمة أحمد: وكذلك فإن المجتمع في هذه الحالة قد خسر فردا من أبنائه فبدل أن يكون عنصرا فاعلا ومنتجا يصبح عبئا وعالة عليه، وبالتالي تزداد الجرائم المرتبطة بالمخدرات كالقتل والسرقة والاغتصاب، وزيادة حوادث السيارات نتيجة إدمان السائق أو تعاطيه المخدر وما ينتج عن ذلك من اضطراب في المجتمع وغياب الأمن والاستقرار.
طرق الوقاية
من جهتها تناولت الأخصائية الاجتماعية عبير الزيد طرق الوقاية من المخدرات والإدمان فتقول: إن غرس القيم الإسلامية في نفوس أبناء المجتمع أحد اهم الجوانب المساعدة للحد من مشكلة الإدمان، وعمل دراسات مستفيضة يمكن من خلالها التعرف على الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية للحالات التي وقعت في شرك الإدمان، ومعالجة الخلل الذي نتج عنه الإدمان بالنسبة للفرد، وتوعية المجتمع بالتالي عن طريق حملات إعلامية مكثفة تحذر من مخاطر المخدرات وتعاطيها، وفرض رقابة شديدة على ما يعرض من أفلام ومسلسلات ومواد إعلامية يمكن أن ينتج عنها الترويج لظاهرة الإدمان، إضافة لضرورة سن قوانين رادعة للإقلال من عمليات تهريب المخدرات أو الاتجار فيها، وتوفير أماكن مخصصة للشباب لتمضية وقت فراغهم بطرق سليمة يمكن معها استثمار طاقاتهم وتوجيهاتهم نحو ما يفيدهم ويفيد مجتمعاتهم.
وطالب بتوفير كوادر بشرية مؤهلة ومدربة للمشاركة في إجراءات الوقاية ومكافحة المخدرات من رجال الشرطة والأطباء والمعلمين، كما طالبت بالاهتمام بالمناهج الدراسية عن طريق إدخال مواد دراسية تتحدث عن المخدرات ومخاطرها وتحذر من أضرارها على الصحة العامة وعلى المجتمع.
وتقترح الأخصائية الاجتماعية عبير الزيد توفير مصحات متكاملة صحيا ونفسيا لعلاج المدمنين وتأهيلهم لحياة جديدة، وتوفير الجو العائلي السليم، ونشر التوعية الأسرية والتفاهم بين أفراد الأسرة، ومراقبة السلوك للأبناء والتعرف على أصحابهم ومشاركتهم في اختيار الرفقاء الذين يكونون بمنزلة الصحبة الصالحة التي تعينهم على الخير وتتجنب كل ما يؤدي إلى السوء والشر.
أسباب الإدمان
أما الباحثة النفسية منى النقي بمركز تنمية المجتمع بالقرين فقد عمدت إلى عمل دراسة تناولت فيها الإدمان من كل جوانبه وعرفت الإدمان بانه: حالة من التسمم الدوري أو المزمن ضار للفرد والمجتمع وينشأ بسبب الاستعمال المتكرر للمخدر الطبيعي أو الصناعي بحيث يلتزم المدمن بضرورة الاستمرار في استعمال هذه المادة ويسبب حالة من الاعتماد النفسي أو العضوي على المخدر فإذا امتنع المدمن عن تعاطي الجرعة في موعدها فإنه لا يستطيع أن يزاول نشاطه العادي فتظهر عليه اعراض حادة وخطيرة من الناحية النفسية والجسمية.
وعن أسباب الإدمان تقول: هناك عدة عوامل متداخلة ومتفاعلة جميعا تسبب الإدمان وهي:
اضطراب الشخصية واستعداداتها المرضية على اعتبار أنها أحد العوامل المسببة للأمان، ويبدو عدم تكامل الشخصية واضطرابها في صورة انحرافات سلوكية، وقد يكون هذا الاضطراب ناتجا عن العوامل الوراثية أو البيئية.
ووفرة الخمور والمخدرات وسهولة الحصول عليها بل إنها موجودة في كثير من البلاد العربية والبلاد الإسلامية التي يحرم دين سكانها الخمور مطلقا، وتعد من جملة أسباب الإدمان.
وتقوم الأسرة بدور رئيسي في عملية التطبع الاجتماعي للشباب فهي الجماعة التي يرتبط بها بأوثق العلاقات وهي التي تقوم بتشكيل سلوك الفرد منذ مرحلة الطفولة ويمتد هذا التأثير ليشمل كل جوانب الشخصية، وأيضا الطفل الذي افترق ابواه بالطلاق يجد أن أسلوب الحياة الآمنة الذي كان يألفه في حياته اليومية قد أصابه التصدع فيشعر بالحيرة والارتباط والخوف ويوجه شعوره بالمرارة والسخط نحو العالم كله.
كذلك تأثير الأصدقاء في مراحل الطفولة والمراهقة على شخصية الصغير، وهي تعرف بجماعة الرفاق ولها دور مهم في عملية النمو وتعتبر من البيئات الاجتماعية ذات الأثر المهم في النمو، وتظهر في صورة سوية كمنظمات يرعاها المجتمع كالكشافة والجوالة، وفي صورتها الشاذة تبدو رفقة السوء مع الذين يتجمعون في الطرقات والشوارع لأتلاف ممتلكات الغير أو السخرية من المارة أو التدخين وتناول الحبوب المنومة والمخدرة أو السرقة أو غير ذلك من الانحرافات السلوكية، يضاف إلى تلك العوامل ما أوضحته الباحثة منى النقي من التطور الذاتي لدى الفرد والذي يقصد به فكرة المرء عن نفسه أو ذاته في ضوء علاقته بالآخرين، فتتضمن مستوى ذكائه وحالته الصحية وقدرته وشكله، من حيث النضج والكمال، كذلك إمكانياته العقلية وتحصيله المعرفي وقيمه الأخلاقية والاجتماعية والدينية مما يتصل بالبناء والجوهر الأساسي لشخصه.
وتأتي بعدها البيئة التي هي جميع القوى المحيطة بالفرد ويتفاعل معها أثناء نموه أو بعبارة أخرى جميع العوامل التي يتأثر بها الفرد ويؤثر فيها في سياق نموه على طول فترة الحياة سواء كانت هذه العوامل داخلية أم خارجية مادية أو اجتماعية، قبل الولادة أو بعدها فهناك بيئات تساعد الأفراد على الاتجاه إلى الإدمان.
كما أن وسائل الاعلام أصبحت في المجتمعات تمثل سلطة قوية ومنظمة لها تأثيرها القوي في توجيه الأفراد والمجتمعات، فالشاب يقضي أمام شاشة التلفاز أكثر من الوقت الذي يقضيه في المدرسة.
آثار اجتماعية
وتناولت النقي الآثار الاجتماعية للإدمان على الحياة الاسرية فقالت: ان تعاطي المخدرات من اكبر العوامل التي تفرق وتفكك المجتمعات التي ينشدها الإسلام، حيث يؤدي الإدمان بجانب اضراره الصحية التي تفكك الروابط الاسرية وازدياد المشاكل بين الزوجين، والتي تنتهي بالأسرة بين الزوجين، والتي تنتهي بالأسرة إلى الدمار والخراب فينشأ الأبناء وليس لديهم أي ارتباط أو تقديس للحياة الاجتماعية سواء في البيت أو خارجه، حيث إن القدوة مفقودة وبالتالي ينحرف الأبناء وتتصدع أخلاقياتهم فيشبون كأبيهم أو يزيدون على ما كان يفعله شذوذا وفسادا.
وربطت الباحثة منى النقي بين الإدمان والجريمة فقالت: الجريمة من الوقائع الاجتماعية التي لازمت المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور وعانت منها الإنسانية على مر الزمن، والجريمة ليست شيئا مطلقا بمعنى أنها تدل على فعل ثابت له أوصاف محددة، على أن مدمني المخدرات والمواد المشابهة يدفعون كل ما يملكون من قيم مادية ومعنوية فقد يلجأ بعضهم للسرقة والاحتيال والنصب وقد يصل بهم الأمر إلى القتل.
وخلصت في نهاية البحث إلى الاستشهاد برأي الشريعة وقالت: إن رحمة الله بعباده تتجلى في تشريعات الإسلام وأحكامه وعلى هؤلاء العباد أن يلتزموا بأحكام الشرع بكل ما تنطوي عليه من أوجه الحلال والحرام وأن يؤمنوا بأن ما حرمه الله تعالى هو الخبيث الضار وما أحله هو الطيب النافع وأن سعادتهم لا تتحقق إلا باتباع أحكام الله عز وجل فيقول: “يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما”، وأجمع فقهاء الإسلام الذين ظهرت في عهودهم وتبينوا آثار المخدرات السيئة في الإنسان وبيئته وقرروا حرمتها وقرروا عقوبة من يتناولها، كما قرروا حرمة الاتجار بها وعقوبة المتجرين لأنها مفسدة للعقل وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويجب تغريم آكلها بما يردعه.
وهكذا نجد أن الموقف المتشدد من جانب الإسلام تجاه تحريم المخدرات له ما يبرره باعتبارها آفات اجتماعية لها آثارها المدمرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وما تحدثه من عوامل التصدع والتفكك والانحلال في نطاق الاسرة التي تعتبر اللبنة الأولى في بناء المجتمع.




