لا إكراه في الدين.. مع ضرورة التمسك بالعروة الوثقى

الدكتور خالد المذكور:

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:256).

المعنى العام لهذه الآية الكريمة لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإن دين الإسلام دين واضح.. دلائله وبراهينه ساطعة واضحة كالشمس في رابعة النهار، فلا يحتاج إلى أن يُكرَه أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه عن بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مجبوراً، ومن خلع الأوثان والأنداد وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إليه إلا هو، فقد ثبت أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.

والمقصود بالعروة الوثقى أنه استمسك بالدين بأقوى سبب، وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم، وهي في نفسها محكمة مبرمة قوية، ورباطها قوي شديد وهو التمسك بالإسلام ومنهج القرآن والحب في الله والبغض في الله.

وليس المقصود بهذه الآية أنه يجوز لأحد دخل الإسلام وشهد أن لا إله إلا الله أو ولد لأبوين مسلمين وعاش في بيئة مسلمة أن يرتد عن الإسلام ويحتج بهذه الآية الكريمة “لا إكراه في الدين”.

وهذه الآية الكريمة بالرغم من اختلاف العلماء في نسخها أو عدم نسخها بآية القتال وهو قول الله تعالى: “يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم”، إلا أنهم متفقون على أنها نزلت في الكفار خاصة ولم تنزل للمسلمين الذين يريدون الارتداد عن دين الحق إلى الباطل.

يقول القرطبي في تفسيره: “نزلت هذه الآية في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام” ومع اختلاف الروايات حول سبب نزولها إلا أنها مثلما قلت تكون لغير المسلم الذي لم يسلم فلا يكره على الإسلام.

ويقول ابن كثير في تفسيره: “ذهبت طائفة كثيرة من العلماء إلى أن هذه الآية محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية”، وروي عن ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس – رضي الله عنهما – سبب نزول هذه الآية: “لا إكراه في الدين”، فقال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي – صلى الله عليه وسلم – ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله ذلك…

Scroll to Top