ذكرياتهم في رمضان

جريدة الأنباء

إعداد ليلى الشافعي

مع حلول الضيف العزيز شهر رمضان المبارك، تستضيف “الأنباء” خلال هذا الشهر نخبة من الدعاة ورموز الدين في الكويت، ليرووا لنا ذكرياتهم الرمضانية، اليوم موعدنا مع رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية د. خالد المذكور.

وعن أجمل وأطرف الذكريات التي حدثت في رمضان خارج الكويت يقول د. المذكور: باعتباري قضيت سنوات عدة في القاهرة كانت أكثر ذكرياتي في رمضان في القاهرة، ومن أطرف هذه الذكريات ما حدث قبل الإفطار بساعة نتيجة الازدحام الشديد في الشوارع، فأذكر انه كان عندي ضيف قادم من الكويت وعند عودته إلى الكويت ذهبت لتوديعه في مطار القاهرة وعدت من المطار، وكان الم يبق على الإفطار إلا ساعة ونصف الساعة، وإذا بالطريق مزدحم تماما، وكنت أسكن وقتها في المهندسين، هذا الكلام سنة 1973 اثناء الدراسات العليا فقلت في نفسي إذا مررت بالسيارة في شارع القصر العيني والتحرير أو على كوبري الجامعة فسوف اتأخر فابتعدت وذهبت إلى كوبري امبابة اختصار للطريق فإذا بي أشاهد زحمة شديدة ليست من السيارات ولكن من عربات “الكارو” وإذن المغرب علي وانا في منتصف الكوبري، وكنت أمشي بالسيارة حسب سير عربات الكارو التي يجرها “حصان أو حمار” فلما اذن المغرب ومر على ذلك تقريبا ربع ساعة بعد الاذان ولم يكن معي لا ماء ولا تمر ولا أي شيء من هذا القبيل وإذا هناك جماعة على احدى عربات الكارو أمامي طبعا وكانوا عائدين ومعهم بعض الماء والاكل والخضار، فأشرت إليهم وانا واقف وقلت لهم أريد قلة الميه لأني أريد أن أشرب فأحضروا لي “قلة الميه” وأنا واقف مكاني ووصلت البيت قبل العشاء بربع ساعة طبعا لم يكن هناك لا تلفونات ولا هواتف محمولة وتلك أعدها من الطرائف التي حدثت لي.

في شيكاغو

يواصل د. المذكور حديث الذكريات قائلات: كنت في شيكاغو في أميركا وصادف أول يوم في رمضان، وصمت هناك وكان البرد شديدا جدا وكنت في مؤتمر، وإذا بمجموعة من الأخوة المسلمين هناك قالوا لي نريدك أن تصلي بنا التراويح جماعة وقت صلاة العشاء، كنت مرتبطا بموعد الطائرة في الساعة العاشرة ليلا، فقلت لهم “خل واحد يصلي بكم التراويح وأنا أصلي وراءه حيث لابد أن أذهب إلى المطار لألحق بالطائرة وأخشى أن يضيع الموعد فقالوا لي لا يوجد أحد غيرك وصمموا تماما على ذلك.

فقلت لهم: أصلي فيكم ثماني ركعات ليست بالقصيرة وليست بالطويلة حتى ألحق بالموعد أي حوالي ساعتين، صليت بهم 4 ركعات وتطلعت في الساعة فأيقنت ان الوقت أزف فقلت في نفسي أخذ الشنطة وأذهب، واستأذنتهم بأن يكمل احد غيري، فقالوا “خلاص” اختصر على أربع ركعات ولما لم يكن احد حافظا للقرآن أو يصلح للإمامة، فقلت كل واحد يصلي بمفرده الركعات الأربع فقالوا هل يصلح ذلك قلت نعم يصلح وزيادة، فالتراويح من السنن وليست من الفرائض وأنا في الحقيقة ذاهب إلى المطار بعدما انهيت إجراءات السفر في المطار وبالانتظار وإذا بجماعة يصلون صلاة التراويح هناك فأكملت معهم أربع ركعات وهم هناك كانوا أكملوا ركعاتهم في الفندق.

طقوس رمضانية

وحول ما يقوم به د. المذكور في هذا الشهر المبارك يقول: هذا يختلف باختلاف الزمن الذي يأتي فيه رمضان، الآن في هذه السنوات يأتي صيفا أثناء العطلة الصيفية، فأنا أنام في الساعة العاشرة والنصف، الآن النهار طويل في الصيف والحر شديد في مثل هذه السنة والسنوات القادمة “إذا الله أحيانا على خير” فالواحد يحرص على وجبة السحور لأنها تقوي الصائم أثناء النهار ويحرص على القيام مبكرا قبل السحور بساعة حتى يأخذ راحته وحتى لا يؤذن عليه الفجر وهو يشتهي الطعام فلا يستطيع، ثم أتسحر وأصلي الفجر وطبعا شهر رمضان هو شهر قراءة القرآن، لذا يجب أن يخصص المسلم جزءا كبيرا من وقته لقراءة القرآن، وانا اقرأ القرآن بعد كل صلاة جزءا، وبعد صلاة المغرب تكون وجبة الإفطار واستقبال الناس وما إلى ذلك، لكن هذا أجعله آخر الليل، لكن قدر إمكاني أنهي قراءة خمسة أجزاء في اليوم أو على الأقل ثلاثة أجزاء وبعد الفجر اقرأ جزءا، بعد ذلك إذا كان عندي عمل أو لجنة أو ما شابه ذلك.

وعن البلد الذي يتمنى أن يقضي فيه د. المذكور كل أيام شهر رمضان أكد انها مكة المكرمة، وقال: سعدت أكثر من مرة بالذهاب إليها لأداء العمرة في رمضان، ولحضور بعض المؤتمرات، في منطقة المسجد الحرام نجد الناس متجمعين حول الحرم، ولك أن تتصور مدى الروحانية وصلاة التراويح في الحرم وقراءة القرآن، في مكة من بعد صلاة العصر تجد الحرم ممتلئا عن آخره، سواء الحرم المكي أو الحرم المدني، وموائد الإفطار حتى وأنت في الطواف يأتيك أحد الأشخاص ومعه صحن مليء بالتمر وآخر حلويات ومعه القهوة أو الشاي ويصب لك أثناء الاذان والناس يطوفون، يعطي الطائفين أو الساعين، هذا الأمر بلا شك منظر جميل وأنت تشرف على الكعبة وتشاهد الناس وتنتظر الأفكار، فالصلاة في الحرم تساوي مائة ألف درجة والقراءة في المصحف وجو رمضان، هذه الشعائر تبعدك عن أمور كثيرة فأنت في الحرم نهارا أما معتكفا أو قارئا للقرآن أو طائفا أو ساعيا بين الصفا والمروة، وأما متنفلا بركعات، هذا الجو الروحاني مع الأسف هذا لا يتأتى لي كل عام ولا يأتي لي في كل رمضان فعندي مسؤوليات والبلد الثاني مصر الذكريات فيها والجو الرمضاني يأتي بعد ذلك المغرب، وأنا أذهب إلى المغرب للدروس الحسينية والمغرب في احيائها قريبة الشبه بمصر، وبالنسبة لاستقبال رمضان في شوارعها واحيائها وسهراتها وما إلى ذلك.

في الكويت

وعن الأجواء الرمضانية التي تغيرت في الكويت قال: لا شك أن الكويت في الاربعينيات والخمسينيات طبعا كانت الأحياء متقاربة ولم يكن هناك التوسع العمراني الكبير الذي نشاهده الآن، وكانت العادات الرمضانية بين البيوت وفي الحي الواحد عبارة عن تبادل الأكلات الرمضانية فقبل الأفطار بحوالي ثلث ساعة أو ربع ساعة شخصيا يمسك ماعونا ويذهب به إلى أحد البيوت، خاصة ليلة الجمعة، فيما تتنوع الاطباق بين هريس وتشريب وحلويات، فنجد ما شاء الله البيوت تتبادل هذه الوجبات، والافطار كان جماعيا، فالأسرة كانت تتجمع في حوش كبير فيه الجد والجدة والاعمام وازواجهم واولادهم، فكانت هناك سفرة للأطفال، ونحن كنا في سن التمييز في الاربعينيات نعود على الصيام وأظن ان أول ما صمت كان في فصل الصيف وكان الوالد أو جدي يرسلني إلى شراء الثلج في ماعون زجاجي يحافظ على قوالب الثلج، وكانت تباع في الاحياء ونحضرها ونضعها في اللبن أو البطيخ أو الشمام، وكان هذا هو المتوافر، أو لتبريد المياه فكنا شغلنا شاغل الذهاب والإياب ونعد للسفرة، لكن إذا حان وقت الإفطار مع مدفع الإفطار والذي يسمع الكويت كلها وكنا نسميه “الواردة” ولا ندري من أين جاء هذا الاسم، لكن كنا نسمعه وكان صوته شديدا ولم تكن توجد سيارات فنفرح ونهلل ونحن خارج البيت، ثم نعود إلى البيت لنجلس حول السفرة من اجل الإفطار ثم نذهب مع آبائنا إلى المسجد وكان كذلك في العشر الآواخر من رمضان في صلاة التهجد كان الكل موجودا حتى الأطفال بين الصلاة والاستراحة يقدمون الشاي والقرفة والحلويات والحليب وما إلى ذلك في المسجد في جو روحاني وبعد كل أربع ركعات تكون هناك استراحة ربع ساعة يقدمون خلالها هذه الخدمات الخفيفة، خاصة في الشتاء يضعون الموقد وعليه ابريق الشاي ويأتي العطار ويصب الشاي والقرفة وكنا نفرح نحن الأطفال.

القرقيعان في الماضي والحاضر

في مصر هناك زينة وفوانيس وسرادقات ولا يوجد هذا في الكويت، يمكن هناك مرحلة يسمونها في منتصف رمضان وهي ما يعرف باسم القرقيعان وهذه تغيرت أيضا، كان في الماضي بدءا من ليلة 13 و14 و15 رمضان يكون البدر مكتملا، كان الصبيان يلبسون ملابس تنكرية ويكون معهم الدف أو الطبل أو حتى “تنكة” ويضربون عليها ويقفون عند الأبواب “كل واحد معه كيس يوزع المكسرات على البيوت”، أما البنات فكان معهن هدايا والمجموعة تتقاسم هذه المكسرات ثم ينفض ذلك بعد ثلاث ليال، الآن اصبح القرقيعان عبارة عن حفلات ومؤسسات ونواد، وتكون أحيانا في الفنادق وتباع في محل الحلويات وربطة جميلة ويمكن حتى الآن القرقيعان بأهزوجية الأطفال الصغار ويذهبون مع الخادمة الهندية أو السيلانية هي تذهب معهم وتحضرهم ثم يأتي بها السائق بالسيارة لأن البيوت والشوارع تغيرت، والمدنية الحديثة غيرت من هذه العادات حتى القرقيعان تغيرت طقوسه، لكن الظاهر والبارز في الكويت في المساجد سواء صلاة التراويح أو في صلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان، وكذلك الذهاب إلى العمرة، ففي الاربعينيات والخمسينيات حتى السيتينات كان الذهاب إلى العمرة امرا صعبا، لكن الآن الحجز يكون قبل سنة أو ستة أشهر في رمضان مثلا الطائرات وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، هذه الظاهرة لم تكن موجودة لا في الاربعينيات أو الخمسينيات أو الستينيات فهي بدأت منذ الثمانينيات لسهولة الوصول إلى هناك.

كتاب ومفكرون أثروا في مسيرتكم الفكرية؟

تأثرت في مسيرتي الدعوية من الكتاب والمفكرين المعاصرين بشخصيات عدة لها مكانتها في الدعوة الإسلامية منهم الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – والأستاذ محمد قطب، والآئمة والأعلام السابقين الذين تأثرت بهم أكثر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وسلطان العلماء العز بن عبد السلام والإمام الشاطبي وذلك لأن هؤلاء الأعلام – رحمهم الله – كانوا مع علمهم وأدبهم يعالجون قضايا عصرهم ولهم مناهجهم الفقهية والدعوية المميزة.

Scroll to Top