كتب حسن عبدالله:
أكد رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الاسلامية ورئيس لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف د.خالد المذكور ان على الفقيه مصدر الفتوى ان يعرض لطالبها جميع الأقوال بشأنها، وله ان يرجح لطالبها أحدها، الا أنها ملزمة فقط للفقيه وغير ملزمة لطالب الفتوى ومن حقه أن يأخذ بأحد الأقوال الأخرى حسب حالته وبيئته، مشيرا الى أنه سُئل في أوروبا عن الكلاب التي تعيش مع الناس في منازلهم وهل هي نجسة؟ فرجح لهم قول الإمام مالك بأن الكلب ليس نجسا على الرغم من تعدد الأقوال في هذا الأمر، لأنه أوسع وأحسن لهم ويرفع عنهم الحرج ومناسب لحالهم. وقال في لقاء مع «الوطن» عن «إجماع العلماء» اذا كانت المسألة تخص أمورا لا تتغير بتغير الزمان والمكان فيؤخذ بإجماع العلماء والالتزام به.
===
رئيس لجنتي «الشريعة» و«الفتوى» بـ«الأوقاف»
د.خالد المذكور لـ الوطن: مخالفة إجماع العلماء لمصلحة.. جائز
في أوروبا سألوني عن الحكم الشرعي في الكلاب فأفتيت لهم برأي الإمام مالك الذي لا يعتبرها نجسة
ترجيح المفتي لرأي فقهي ما جائز.. لكنه ملزم له وليس لطالب الفتوى
يجب على الفقيه عرض جميع الآراء الفقهية الصحيحة وترك حرية الاختيار للمستفتي
كتب حسن عبدالله:
قال رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الاسلامية رئيس لجنة الفتوى بالاوقاف ان على الدعاة والعلماء ان يعرضوا كل الآراء الفقهية في المسألة الواحدة على المستفتي وله حق اختيار الرأي الذي يناسبه او يطلب من المفتي ترجيح رأي له.
وأضاف في حوار خاص مع «الوطن» ردا على ما اثير من جدل حول اهمية «الترجيح» في الآراء الفقهية، باعتباره «واجبا» ان المستفتي اذا طلب من الفقيه ان يرجح له رأيا فقهيا معينا يطمئن اليه فهذا جائز، لكنه «غير ملزم» ويجوز لطالب الفتوى ان يأخذ برأي آخر غير الذي تم ترجيحه له.
واكد ان مخالفة «الاجماع» لمصلحة جائز. وفي ما يلي نص الحوار:
< قلت له: بحكم ان فضيلتك رئيس لجنة الفتوى بالاوقاف وتمارس اصدار الفتاوى عبر مؤسسات وقنوات عدة، ما حكم «الترجيح» بين الآراء الفقهية بالنسبة للمستفتي وهل هو ضروري؟
– د.خالد المذكور: في ما يخص عملية «الترجيح» فالافضل والاحسن ان تعرض جميع الآراء بأدلتها على المستفتي، ويجوز للفقيه ان يرجح احد هذه الآراء والاقوال المعتمدة على الادلة والنصوص الصحيحة، او تعتمد على القياس في ما يخص القضايا المعاصرة التي لم يرد بشأنها نص صريح، وهذه القضايا العصرية يرجع فيها الى ما يسمى «بالادلة العقلية» وهي القياس والاجماع وثوابت وأسس ومبادئ الشريعة الاسلامية. والفقيه الذي يعرض هذه القضايا يجوز له ان يرجح رأيا على آخر.
اما غير الفقيه فيستطيع ان يأخذ بأي قول من الاقوال المستندة الى الادلة السابقة التي تحدثت عنها.
وأؤكد أن عرض جميع الاقوال الصحيحة امر لابد منه، والذي يرجح هو الفقيه «ان طلب منه ذلك». اما غير الفقيه فتعرض عليه الاقوال الشرعية القوية وليست الشاذة او الضعيفة وانما تعرض عليه الآراء المستندة الى ادلة وخاصة اذا كانت صادرة عن جمهور الفقهاء. لكن الفقيه يستطيع او يجوز له ان يرجح وله ان يخالف جمهور الفقهاء، لأن ذلك يدخل فيه تكييف الفقيه للقضايا العصرية والمصالح فهناك قضايا كانت في عصر ما «راجحة» لكنها اصبحت الآن غير راجحة.
< مثل ماذا؟
– الامام الشافعي رحمه الله عندما كان في بغداد كانت له اقوال سميت بالمذهب القديم لكنه عندما استقر في مصر غيّر اقواله وفقهه نتيجة لاختلاف البيئة والزمان، واصبح يقال «يقول الشافعي في قديمه ويقول في جديده».
< أعتقد بأنك تقصد ان من حق المسلم العادي ان يأخذ بأي من الاقوال الفقهية التي تعرض في أي قضية؟
– نعم بشرط ان تعرض على المستفتي آراء ليست ضعيفة ولا شاذة، بمعنى تعرض عليه الاقوال الفقهية بحسب قوة الدليل، فالمسلم العادي ولو كان مثقفا لكنه ليس فقيها او متخصصا فله ان يأخذ من الآراء ما يطمئنه الى الفقيه الذي قال هذا الكلام، اما المتخصص فيجوز له ان يرجح الرأي الذي يراه قويا أو اقوى أو أنسب من الآراء الفقهية الاخرى.
< هل ترجيح المفتي أو الفقيه ملزم للمستفتي أم انه استشاري؟
– ترجيح الفقيه ملزم لنفسه فعندما يسألني شخص عن رأي في قضية ما ويطلب مني الترجيح اطمئناناً لي أو حسب التعبير السائد: «وما الاحسن والافضل في تلك الاحوال لاني محتار»؟ عندئذ اعطيه ترجيحي الشخصي واقول له: قول فلان هو الاحسن والافضل، وبالتالي فالمستفتي يطمئن لانه يسأل متخصصا، لكن ترجيحي الشخصي لرأي فقهي ما لا يمنع ابدا من ان الاقوال الاخرى صحيحة، ففي المسائل الاجتهادية يستطيع الانسان الاخذ بالرأي المناسب حسب حاله وبيئته، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاءه شاب وقال له قبّلت امرأتي وأنا صائم، فقال له النبي: أعد صيام هذا اليوم، فلما جاءه احد كبار السن بنفس الفعل والسؤال قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: ليس عليك شيء.
< هل هناك مثال على ذلك؟
– نعم. هناك اقوال عدة في حكم نجاسة الكلب، وهل الكلاب نجسة أم لا؟، وفي هذا الموضوع تعددت الاقوال لكن الامام مالك رحمه الله قال: الكلب ليس نجسا، وعندما ذهبت الى اوروبا وجدت الكلاب تعيش مع الناس في بيوتهم وتشاركهم حياتهم ويعاملونها كأبنائهم، والمسلمون في اوروبا يعانون من هذه المسألة ويجدون حرجا من التعامل مع الكلاب، فلذلك قدمت لهم قول الامام مالك لانه اوسع واحسن لهم ويرفع عنهم الحرج ومناسب لحالتهم.
فهناك اقوال فقهية متعددة امام المستفتي الذي قد يطلب من الفقيه ترجيح احدها لكن هذا الترجيح ليس ملزما لهذا الشخص الذي يطلب الفتوى وقد يترك رأي الفقيه بعد الترجيح ويأخذ بالآراء الاخرى القوية، فهناك في الفقه الاسلامي اقوال ضعيفة وشاذة لا ينبغي ارباك المستفتي بها بل يجب تحذيره منها.
< هناك اشكالية تخص احد مصادر التشريع وهو «اجماع العلماء» الذي يتغير حسب الزمان والمكان فكيف نتعامل معها؟
– اذا كانت المسألة تخص امورا لا تتغير بتغير الزمن فيؤخذ باجماع العلماء منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم واجماع الصحابة، او «عمل أهل المدينة» الذي هو مصدر من مصادر التشريع عند الامام مالك، لكن هذا المصدر لا يؤخذ به لان اهل المدينة تغيروا وتبدلوا.
لكن اذا كان «اجماع العلماء» في قضية لا تتغير بتغير الزمان والمكان فيجب الالتزام به، ولذلك يقولون الادلة الكتاب والسنة والاجماع في بعض المسائل البديهية كحكم الصلاة وبأنها واجبة والحكم يأتي بدليل من القرآن والسنة واجماع المسلمين على هذا الامر، لكن في القضايا المعاصرة التي اما ان يؤخذ فيها بعموم الكتاب (القرآن) وعموم السنة او باجماع العلماء المعاصرين من خلال المجامع الفقهية والندوات، واصبح عرفا الآن ان يقال: حكم هذه القضية قرره مجمع الفقه الاسلامي الدولي او مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الاسلامي او دار الافتاء او لجان الفتوى ويسمى هذا بـ«الاجتهاد الجماعي».
فالاجماع في هذا العصر اما ان يكون باجماع العلماء في الوقت الحاضر، او بأغلبية العلماء مع ذكر اقوال بقية العلماء «الاقلية» عند تقديم الآراء الفقهية في تلك القضية المعاصرة واما ان يؤخذ برأي الاغلبية او الاقلية، فكلا الرأين الاغلبية والاقلية معتبران ويؤخذ بهما حسب قوة الادلة، فقد تختلف القضايا باختلاف البيئات والزمان والمكان.
< عمر بن الخطاب والصحابة كانوا يرون ان الطلاق بلفظ الثلاثة في مجلس واحد يقع 3 طلقات لكن ابن تيمية جاء بعد نحو 800 سنة وخرج على هذا «الاجماع الصحابي» وقال يقع طلقة واحدة فحسب فكيف تفسر ذلك؟
– ما يخالف. ولنا ان نأخذ برأي ابن تيمية لظروف حدثت، فلو قال زوج لزوجته انت طالق طالق طالق في مجلس واحد يقع في الحرج، لكن ان قال لزوجته أنت طالق وبعد ساعة او ساعتين قالها لزوجته في الصالة او في الشارع مرتين يكون قد اكد الطلاق ويعني انه مصر على الطلاق فيكون طلقها ثلاثا.
وقد اخذت قوانين الاحوال الشخصية في الكويت ومصر وسورية والعراق والاردن وغيرها برأي ابن تيمية الذي خالف «الاجماع» لمصلحة.. وهذا جائز.