الأخوة في الإسلام معانيها ووسائلها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، ونصلي ونسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداهم واستن سنتهم إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الأخوة الكرام:

إن استقصاء معاني الأخوة في الإسلام وبيان هدفها وثمرتها لا يخرج عن كونه تذكيرا لكل مسلم بأن يتخلق بها، وأن تكون صفة لاصقة به، حتى تبرز وتظهر في أقوال وتصرفات كل فرد مسلم مع أخيه في الإسلام لأن المؤمن مرآة أخيه.

وإن وصف رب العالمين لعباده المؤمنين بأنهم أخوة في الايمان كان حقيقة قائمة فيهم برزت آثاره في المؤاخاة التي حققها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار فكانت من أعظم العوامل التي أدت إلى قيام المجتمع الإسلامي في عهد الرسول بتضامنه وتماسكه وتعاونه، وكانت العامل الأكبر في تحقيق أكبر نصر عرفه التاريخ وأسرعه.

وواقع المسلمين اليوم يؤكد لنا أن هذه الأخوة في الإيمان لم تعد لها تلك الفعالية وإن القليل من المسلمين اليوم يعطوها ذات أهمية التي كانت لها من قبل، وإن مسؤولية من تسبب في انحسار مفهوم اخوة الإيمان كبيرة جدا، وهي مسؤولية كل مسلم غيور على دينه وحريص على انتسابه إلى الإسلام أن يحاسب نفسه بصدق عن تفريطه، وأن يعاهد الله على تدارك ما يستطيعه بنفسه واسرته ومجتمعه حتى يظهر معاني واهداف اخوة الايمان ويطبقها ويلتزم بها وتنعكس على تصرفاته وعلى أفراد اسرته، ويكون اسوة لغيره ممن يشاهده، فيذكره بحسن سلوكه بالتأسي به بل يكون دافعا إلى إيمان غير المسلم بهذا الدين تأثرا من أخلاق هذا المسلم، وبذلك يكون له أجر من اقتدى به واخذ عنه إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئا.

إن معاني واهداف اخوة الإيمان ليست مثالية يصعب على المسلم التخلق بها، بل إنها صفات واقعية، سبق لاسلافنا التحلق بها، ولا يزال هناك – بحمد الله – من يتخلق بها على الرغم من قلتهم، فهي ليست اخلاقا خيالية، ولا أظن أن أحدا من المسلمين يزعم أن اخوة الإيمان ليست فرضا على كل مسلم ومسلمة، غير أن ضعف الهمة وغلبة الشهوات والانشغال بالماديات باعدت أكثرنا عن الاخذ بهذه المعاني وإن كنا جميعا على يقين من أنها في صالح الفرد كما هي في صالح الأمة بأسرها (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعهما على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

وموضوعي هو أخوة الايمان معانيها وأهدافها انطلاقا من قوله تعالى (إنما المؤمنون أخوة) وتجاوبا مع شعار مخيمكم.

تطلق كلمة الأخوة في الإسلام على اخوة الدم وأخوة العقيدة، فأخوك من دمك مشارك لك في الولادة من أب وأم، ويقال له اخ شقيق وسمى أخا لأنه يتوخى (أي يقصد أخاه) أو من أحدهما فيقال له أخ لأب أو أخ لأم، أو من الرضاع فيقال له أخ من الرضاع.

ونظرا لما في هذه الأخوة من الصلة والمحبة والتماثل والتعاون فقد استعار كثير من الناس كلمة “يا أخي” أو “يا أيها الأخ” عندما يريد أحدهم مخاطبة من لا يعرف اسمه أو ليست له به صلة سابقة، فيتقرب إليه بهذه الصفة المحببة للناس جميعهم، وكأن هذا من عادة العرب في تخاطبهم عندما يلتقي احدهم بعربي غريب عنه ولا يعرف اسمه فيناديه: “يا أخا العرب”.

ونسبة الأخوة تجمع أواصر كثيرة منها:

1 – أصرة الانتساب والقرب.

2 – أصرة المحبة.

3 – اصرة الألفة.

4 – أصرة الصحبة.

5 – أصرة التماثل في الطباع.

6 – أصرة الارتياح وترك التكلف.

ولذلك كانت المناداة بها أنس للنفس من نسبة والأبوة اللتين هما اقوى منها إذ تمتاز عليهما بما في الأخوة من التجرد عن كلفة التوفير والمهابة والطاعة.

واخوة الدم المنحدرة من ابوين هي من حيث الترابط والتناصر امر معروف ومشهور وقد يقع بين هؤلاء الأخوة الاشقاء وغير الاشقاء من الشحناء والمنازعات ما يصل إلى سفك دماء بعضهم بعضا كما حصل بين ولدي آدم عليه السلام وفقال لما قصه علينا القرآن الكريم، وكما حصل ويحصل في العصور السابقة وعصرنا الحاضر، وإن قصص المنازعات بين الأخوة اشقاء أو لأب أو لأم قد تكون اشد خصومة من مثلها بين الغرباء، وإن قصة يوسف عليه السلام مع أخوته لا تخفى على أحد.

ولما كانت هذه الصلة الأخوية الدموية هي مضرب المثل في التناصر والتعاون والتماثل، فإن الشريعة الإسلامية بنت عليها اخوة العقيدة لأنه ليست هناك أصرة تماثل أقوى منها.

وتطلق كلمة اخ في العقيدة على من يشارك شخصا آخر في معتقده، وقد يعبر عنه بلفظ “أخ في الدين” أو “أخ في الله” وهي الأخوة الإيمانية التي لا تقاربها رابطة مهما كانت وشائج القربي متينة، والأخوة الايمانية مصطلح نشأ في ظل الإسلام.

وقد ميز الإسلام هذه الأخوة الإيمانية عن اخوة الدم ورفع من شأنها، لأنها أخوة مستمدة من عناصر روحية إيمانية لا تداينها في التقارب أخوة الدم، ولم يتجاهل الإسلام الأثر الذي تبنى عليه أواصر القرابة – القريبة – فتبناه للتدليل على ما يريده من حقيقة الصلة بين أبناء العقيدة الواحدة فقال عنهم: (إنما المؤمنون أخوة) وأكدت هذه الآية أن أخوة العقيدة الإيمانية لا تنفصم عراها إلا بالردة والعياذ بالله.

وإن من أبرز مظاهر أخوة الإيمان مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار عمليا بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها فقال لهم: “تأخوا بالله أخوين أخوين” كما يرث أخوة الدم بعضهم بعضا حتى أنزل الله سبحانه وتعالى قوله (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) يقول السهيلي شارح السيرة “آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حين نزلوا المدينة ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه قوله (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) يعني في الميراث ثم جعل المؤمنين كلهم أخوة فقال تعالى (إنما المؤمنون أخوة) يعني في التوادد وشمول الدعوة.

وقد دفعت هذه الأخوة الايمانية بين المهاجرين والانصار أن عرض أحد الأنصار وهو سعد بن الربيع الانصاري رضي الله عنه على أخيه من المهاجرين وهو عبد الرحمن ابن عوف ان يقاسمه ماله وان يختار أيا من زوجتيه ليطلقها فيتزوجها بعد أن تنتهي من عدتها دون أي حرج أو تردد، وقد كان عرضا صادقا وصادرا عن طيب نفس ونابعا من أعماق قلبه، وهو مثل بسيط لما تفعله الأخوة الإيمانية بين المؤمنين عند وقوع الحاجة ووجود المقتضى.

وهذه المؤاخاة التي تمت بين المهاجرين والانصار ارتقت درجات ايمانية عليا لم تجد الإنسانية في تاريخها رباطة مثلها، فقد جمعت بين من كان أصله عبدا ومن كان اصله سيدا دون أثارة لهذه الفوارق التي كانت بارزة جدا أيام الجاهلية، فقد أخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين زيد بن حارثه مولاه وبين حمزة بن عبد المطلب القرشي عم رسول الله، وزوجه زينب ابنة القرشية قريبة رسول الله والتي أصبحت بعد أن طلقها زيد زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالمهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم في سبيل عقيدتهم فاستقبلهم إخوانهم الأنصار بقلوب مفتوحة وأياد مبسوطة حتى قال عنهم رب العالمين (والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) سورة الحشر.

وهذه الاوصاف الكريمة العالية التي وصف بها رب العالمين المسلمين من المهاجرين والانصار جعلت لسان حال من يأتي بعدهم من المسلمين يردد هذا الدعاء بقوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم) سورة الحشر، وكلمة (لأخواننا) لم ترد بمفهوم اخوة الدم، وانما تعني اخوة العقيدة لارتباطها بقوله سبحانه (الذين سبقونا بالإيمان).

واخوة الإيمان والعقيدة لا ينفك عراها ولا نفصم روابطها مهما حصل بين المؤمنين من نزاع أو قتال ذلك أن الآية الكريمة (إنما المؤمنون أخوة) وردت في صدد توجيه الله تعالى للمؤمنين بما يجب عليهم أن يفعلوا في حال نشوب قتال بين طائفتين منهم فقال تعالى في سورة الحجرات (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلوا بينهما فإن بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).

ومن هذا يتبن أن الله سبحانه لم ينف عن المتقاتلين من المؤمنين صفة الإيمان على الرغم من أن القتال يتولد عن سفك دماء وأن الواحد من الفريقين حريص على قتل خصمه الآخر، غير أن هذا الاقتتال بينهم ليس له دافع الخروج عن العقيدة من احدى الطائفتين وإنما هو خلاف مبني على تأويل أو على اجتهاد من احداهما ضد الأخرى.

كما أن القتل الحاصل بين الافراد من المؤمنين في جرائم القتل لا يزيل هذه الصفة عنهم أيضا لقوله تعالى في سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم).

وهذا يدل على ان الإبقاء على الصلة الإيمانية – على الرغم من نشوب القتال بين المؤمنين – هو توجيه للمؤمنين أن لا يفسد عليهم أي أمر آخر مهما كان شأنه من الناحية المادية أخوتهم الإيمانية هذه.

واخوة الإيمان تستلزم أن يكون الفرد مؤمنا لقوله تعالى (إنما المؤمنون أخوة) وللإيمان أركان وله مستلزمات ويمكن تلخيص أركان الإيمان بما يلي:

1 – الإيمان بالله ويتضمن الإيمان بالغيب وباليوم الآخر، وبالبعث وبالقدر خيره وشره.

2 – الإيمان بملائكته.

3 – الإيمان بكتبه.

4 – الإيمان بأنبيائه ورسله دون تفريق بين أحد منهم ويجمعها قوله تعالى في صفات المتقين في مفتتح سورة البقرة (ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) وما جاء كذلك في آخر سورة البقرة وهي وقوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

ومستلزمات الإيمان يؤكدها رب العزة سبحانه بمفهوم واسع يشمل كذلك اركان الإيمان وهو قوله تعالى في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)، ومن مستلزماته كذلك قول الله تعالى (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

فالإيمان تصديق بالقلب وعمل بالجوارح تؤكدها الآية السابقة التي عددت هذه المستلزمات وهي:

1 – إقام الصلاة.

2 – ايتاء الزكاة.

3 – ايتاء المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب.

4 – الوفاء بالعهد.

5 – الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

6 – السمع والطاعة وطلب المغفرة من الله الذي إليه المصير.

وقد جعل رب العالمين من هذه الأوامر صفات لاصقة بالمؤمنين الذين صدقوا فقال في سورة المؤمنين (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فانهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).

ويضيف سبحانه في السورة ذاتها بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون فيقول سبحانه (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).

وجاء في سورة الشورى ما يتمم هذه الصفات الكريمة التي يتخلق بها المؤمنون فيقول سبحانه (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون).

ومن صفات المؤمنين كذلك اصلاح نفسه واستقامتها على منهج الله ودعوة غيره إلى هذا المنهج القويم واستقلال فكرة وقلبه وعدم تبعيته لمنهج منحرف أو مخل يبتعد به عن منهج ربه القويم ومن صفاته كذلك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر يقول تعالى في سورة فصلت (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاه إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ويقول تعالى في سورة التوبة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).

إن أخوة الإيمان والعقيدة تستلزم هذا كله أركانا وواجبات وأوصافا هي لا ينفك عنها المؤمن يلتزم بها ويدعوا إليها ويحققها في واقع الحياة متماسكا متحدا متعاونا مع أخوانه في الله.

أيها الأخوة في الله، إذا كانت الأخوة في الله واجبة على كل مسلم بهذه الصفات الإيمانية التي سبق بيانها أخذا من كتاب الله وسنة نبيه، فما هي الوسائل التي يتبعها المؤمن لتحقيق هذه الأخوة في الله سبحانه وتعالى، إن هناك وسائل عدة لتحقيق هذه الأخوة منها وسائل تشريعية شرعها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ووضعها قواعد لتحقيق الأخوة الإيمانية ودعا إلى الأخذ بها وتطبيقها ومن أظهرها صلاة الجماعة وأداء مناسك الحج.

وصلاة الجماعة لها صور عدة أكثرها تحققا الصلوات الخمس اليومية، وصلاة الجمعة وصلاة العيدين.

ولا شك أن الصلاة جماعة في المسجد تحقق التقاء سكان الحي خمس مرات في اليوم ولا شك كذلك أن هذا اللقاء اليومي المتكرر يزيد في التعارف ويجعل الواحد ينظر إلى الآخر أنه أخوه في الإيمان لمشاركته الدائمة له في عبادة إله واحد وفي التوجه إلى قبلة واحدة وفي الانقياد المستنير لإمام واحد لأداء هذه الفريضة في حركات واحدة، وإذا غاب واحد منهم عن المسجد سأل الباقون عن سبب هذا الغياب والتعرف على الدافع إليه، فإن كان مريضا عادوه وإن كان مسافرا تعهدوا أهله وقضوا حوائجهم وإن مات شيعوه وكفلوا أولاده.

ولهذه المعاني وغيرها أمر الشارع بالتمسك بصلاة الجماعة وأكد عليها وأوجب على المسلمين حيث كانوا أن يحققوا في مجتمعاتهم هذا اللقاء اليومي المتكرر خمس مرات من طلوع الفجر إلى غسق الليل، وتأتي صلاة الجمعة في نهاية الأسبوع وكأنها تختتم أعمال الأسبوع وتزكيها وهي صلاة يسن فيها التكبير في الذهاب إلى المسجد الجامع، ويسن فيها الاغتسال ولبس أنظف الثياب والتطيب، وأن يكثروا من الاستغفار وقراءة القرآن حتى يحين وقت الجمعة ويصعد الخطيب المنبر، وإن هذا اللقاء الأسبوعي المتكرر في المسجد الجامع يزيد في التعارف والتألف والتراحم والتلاحم ويؤكد على وحدة المسلمين وأنهم في كثرتهم هذه يستطيعون أن يفعلوا متعاونين ما يحقق الخير والقوة لمجتمعهم وخطيبهم يذكرهم بما يجب عليهم في التعاون فيما بينهم في جلب خير لهم ودرء مكروه نزل بهم.

وتأتي صلاة العيدين في مناسبتين يلتقي فيهما المسلمين على صعيد واحد خارج العمران إن أمكن ذلك ولم تكن فيه مشقة ويسن في صلاة العيدين حضور النساء ولو لم يستطعن الصلاة لكي يشهدوا مع المسلمين مواسم الخير.

ومن الوسائل الشرعية لتحقيق الأخوة الإيمانية أداء مناسك الحج وفيه لقاء واسع يأتي إليه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله، وليؤدوا ركنا عظيما من أركان الإسلام، وتتجلى فيه الأخوة الإسلامية في أجلى مظاهرها لأنهم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم يلبون بصوت واحد يؤدون مشاعر واحدة ويلبس الرجال لباسا واحدا، ويتوجهون إلى الله سبحانه بالتلبية والاستغفار والدعاء استعدادا للقائه.

ومن وسائل تحقيق أخوة العقيدة الوسائل الأخلاقية التي تؤكد معنى الأخوة وترسخه وقد سبق أن عددنا الصفات الإيمانية التي يلتزم بها المسلم وهي جميعها من مكارم الاخلاق ومن أهمها العدالة وهذه الصفة الأخلاقية لا يكن أن يتنكر لها مؤمن، لأن المؤمن يتحرى العدل في جميع أموره ومع جميع من يتعامل معه، وهو بهذا الخلق يترفع عن أن تجرح عدالته منفعة مادية أو قرابة أو صداقة أو حتى عداوة لأنه يلتزم بقول الله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ويقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

إن الإسلام يرفض التمايز بين الأفراد كما يرفضه بين الشعوب والإسلام يحرص على تحقيق العدالة بين الجميع دون استثناء.

ومن وسائل تحقيق أخوة العقيدة تعاون المسلمين وتكافلهم في …. التي لا تساعدهم السلطات فيها على تحسين أوضاعهم كالأقليات المسلمة، فإن واجب التعاون فيما بينهم يكون لازما على كل حسب طاقته بما ينهض بمستواهم ليتمكنوا من فرض انفسهم واسماع كلمتهم والحصول على حقوقهم.

ومن أهم وسائل تحقيق الأخوة ضرورة العمل المشترك، ذلك إذا رجعنا إلى تحليل معنى قوله تعالى (إنما المؤمنون أخوة) يتحقق لنا أن المراد من هذا الوصف أن المؤمنين بمجموعهم أخوة، وأن كل واحد منهم مرتبط بأخيه برباط الإيمان وأنهم لا شأن لهم إن كانوا متفرقين ولذلك نجد أن الخطاب في كثير من آيات القرآن الكريم يرد بصيغة الجمع (يا أيها الذين آمنوا) (إن المؤمنين والمؤمنات) (وتعاونوا على البر والتقوى) (يد الله فوق أيديهم) (انفروا خفافا وثقالا) (وأمرهم شورى بينهم) وأمثال هذه الآيات كثيرة والتي يستفاد منها الروح الجماعة والتناصر والتعاون المشترك بين المسلمين، وان من الواجب على كل مسلم أن يحقق في نفسه ما يرجو أن يجده لدى أخيه المسلم في الأمور التي لا بد من تضافر قواهم لتحقيقها وأنه إذا ما تخلف احد عن هذه المشاركة كان مسؤولا عن ذلك بشخصه، ولذلك فإن كل فرد مسلم مسؤولا مسؤولية مستقلة عن أن يحقق في نفسه هذا الاستعداد الذي ينتظره منه أخوه المسلم وأن يبادر من تلقاء نفسه إلى مشاركة اخوانه في السراء والضراء وأن يحافظ على الالتقاء معهم في جميع المناسبات التي أوجدها الإسلام ودعا إلى المشاركة فيها.

هذا وإن داء الانفرادية وانصراف كل فرد إلى مشكلاته الخاصة والاكتفاء بها دون اهتمام بمشكلات الآخرين هو من الأمور التي حاربها الإسلام، وقد ورد في الأثر “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” والاهتمام بأمر المسلمين هو أيضا اهتمام بمصالح الفرد الذاتية، وتخاذل المسلمين في نصرة بعضهم سيعود ضرره عليهم جميعا وسيذوق كل فرد منهم وبال تخاذله عن المشاركة في مد يد العون إلى غيره عند اقتضاء الضرورة.

والانفرادية لا تقتصر على الانعزال عن مجتمعات الناس والبعد عنهم، ومعالجة كل فرد من المسلمين مشكلاته بمفرده، وإنما هي الإصرار على اتخاذ مثل هذه الحال الانعزالية والتصرف المفرد دون استعانة بإخوانه أو استشارة لهم.

Scroll to Top